قنوات فضائية

المشاركات الشائعة

ضع كود الإضافة هنا (الإضافة تظهر فقط في الرئيسية )
بحث عن الدكتور مجدي يعقوب
عجيب أمرك يا مصر!! أنتِ أنجبتِ مجدى يعقوب ومحمد غنيم وكثيراً من أمثالهما وأنتِ أنجبتِ أيضاً على الناحية الأخرى من البلداء والأراذل والتافهين ما تمتلئ بهم دروب الحياة وأجهزة الدولة ودهاليز السلطة ودهاقنة الثراء.
هذا هو الخاطر الذى خطر على ذهنى عندما شاهدت النابغة العظيم مجدى يعقوب، جرّاح القلب العالمى، فى برنامج حوارى أحد أيام الأسبوع الماضى على إحدى القنوات الفضائية، وزاد من وقع البرنامج أن مقدمته مثقفة تعد موضوعها بعناية وإحاطة، ذلك فضلاً عن خفة الظل وجمال الروح والصورة.

شدنى حديث النابغة العظيم، وتوقفت مع حديثه عند بعض المحطات المهمة، توقفت معه وهو يقول إن العلم مسؤولية، وكلما زاد علم العالم زادت مسؤوليته أمام الناس، وقوله إن العلم أمانة، وإن عدم الأمانة لا يتفق مع خلق العالم، كذلك إعراضه عن دنيا السياسة، وإيمانه بالعلم والعمل العلمى وخدمة الناس دون تظاهر أو تكبر أو عجرفة.

يمكن أن يقول البعض «الفن للفن»، ويدافع عن هذه المقولة، ولكن لا أحد يستطيع أن يقول «العلم للعلم»، بمعنى أن يكتسب الإنسان العلم ويسعى إليه لمجرد أن يكون عالماً، هذه صورة غير طبيعية، وما أظن أنها تحققت فى عالم الواقع كما تحققت مقولة «الفن للفن» فى كثير من الحالات.

داروين ونيوتن وأينشتاين ومصطفى مشرفة ومرسى أحمد لم يكن تحصيلهم العلم إلا لكى يخدموا شعوبهم ويخدموا البشرية كلها، ومن هنا صح ما يقوله مجدى يعقوب من أن العلم مسؤولية، وأن الزيادة فى العلم زيادة فى المسؤولية، العالم بحق يحس بمسؤوليته أمام شعبه بل أمام الإنسانية كلها، كيف يفيدها من علمه، وكلما ازداد علمه ازداد إحساسه بالمسؤولية، حتى إن مسؤوليته تتمدد لكى تكون مسؤوليته أمام البشرية كلها.

وفيم تتمثل هذه المسؤولية؟

فى خدمة الناس.

فى تقديم ثمار العلم لهم فى حياتهم.

فى أن يقوم مجدى يعقوب فى هذه السن - أعطاه الله الصحة وطول العمر - بإجراء ثمانى عمليات دقيقة فى يوم واحد، وأن يحرص فى كل عملية على بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من إتقان.

كذلك فإن المسؤولية العلمية تتمثل وتتجلى فى عدم احتكار العلم أو حجبه عن المحتاجين إليه أو عن طلابه ومريديه.

المسؤولية العلمية تؤدى إلى ضرورة أن يتيح العالم علمه لمن يطلبه، وألا يبخل به على طلابه ومعاونيه، وألا يكتم علمه، ومن يكتم علمه فإنه آثم قلبه ومتنكر لمسؤوليته العلمية أمام من يحتاجون إليها سواء من مرضى القلب - فى حالة مجدى يعقوب - أو من طلاب العلم فى قاعات العلم والدرس.

وقد كان مجدى يعقوب فى تاريخه العلمى كله وفياً لمسؤوليته العلمية، فى ذلك أمام أهل بلده الأصلى - مصر - أو أمام البشرية كلها بعد أن تحققت له الشهرة العالمية التى يستحقها.

أما قول مجدى يعقوب عن أن العلم أمانة فهو قول يرتبط بالمسؤولية العلمية، ذلك أن الأمانة جزء من المسؤولية، ومن لا يوجد لديه إحساس بالمسؤولية يسهل عليه أن يتخلى عن الأمانة العلمية، الأمر الذى شاع وذاع فى هذه الأيام العجاف، والذين يعملون فى الجامعة من «عواجيز» الأساتذة مثلى يفجعون كل يوم بأمثلة من السطو العلمى، ذلك يبدو أن «الخطف» أصبح سمة فى كل شىء، بدل أن تعمل اخطف، فهذا أسهل وأيسر، والعياذ بالله.

وقد تحدث الدكتور مجدى يعقوب عن جانب آخر من جوانب الأمانة العلمية حين سألته محاورته الجميلة عن موضوع «الخلايا الجذعية»، وما يدّعيه بعض الأطباء المحليين من أنهم يعالجون مرضاهم باستعمال الخلايا الجذعية.

وكان العالم الكبير مهذباً غاية التهذيب وهو يرد، فلم يُرد أن يجرح أحداً أو يهين أحداً - وإن كان بعض الناس يستحقون الإهانة - وقال إن موضوع الخلايا الجذعية مازال محل أبحاث ودراسات، وإن القول الفصل فيه لم يتحقق بعد من الناحية العلاجية على حين أن هذا الموضوع «موضوع الخلايا الجذعية» يوشك أن يكون أحد آمال البشرية فى المستقبل الذى نرجو أن يكون قريباً، ولكن أن يدّعى بعض الأطباء فى مصر أنهم يستعملون هذا الفن فى علاج مرضاهم فهذا نوع منعدم الإحساس بالمسؤولية وعدم الأمانة العلمية، ذلك أن الطريق مازال طويلاً، وكان الرجل العالم يختار كلماته برفق شديد حتى لا يؤذى أحداً.

لقد كان استماعى لمجدى يعقوب مصدر سعادة ومتعة بالغتين، ولاحظت فى الحديث كله ملحوظتين يسرنى أن أبديهما:

الملحوظة الأولى، هى أن الرجل لم يكن يتكلم عن نفسه بالمفرد أبداً، كان دائماً يتحدث عن «فريق العمل»، هناك فى هذه البلاد المتقدمة يقوم البحث العلمى على مجموعات عمل، على فريق من الباحثين والعلماء، قد يكون هناك من هو أكبر سناً وأكثر خبرة، ومن ثم تكون له قيادة الفريق، ولكن لا أحد يعمل بمفرده..إن العمل العلمى، خاصة فى مجالات العلوم الأساسية والعلوم الطبية، لم يعد عملاً فردياً، ولقد استرعى انتباهى ما كان يحرص عليه مجدى يعقوب دائماً من حديثه عن فريق العمل الذى يعمل معه أو ضمنه أو يقوده، وذكرنى ذلك أيضاً بالصديق الدكتور أحمد زويل الذى كان يتحدث بدوره عن «فريق العمل» وعن أهمية فريق العمل، وعن أهمية تكوين القاعدة العلمية.

هؤلاء هم العلماء الذين أنجبتهم مصر والذين رفعوا اسمها فى العالم كله.

هذه ملاحظة.. أما الملاحظ الأخرى - وما أظننى فيها عنصرياً أو منحازاً - فهى أننى كنت، وأنا أنظر إلى وجه مجدى يعقوب، أحس أنه قُدّ من خليط من صخور مصر وطمى نيلها، ضع وجهه وسط مئات الأوجه فإنك ستقول على الفور هذا وجه مصرى أصيل.

نعم هذا وجه مصرى أصيل أعطى مصر الكثير رغم كثير من العقوق والعنت فى بداية الحياة العلمية هنا قبل قرار الهجرة إلى العالم الواسع، حيث ظهر النبوغ وأينعت العبقرية.

■ ■ ■

أذكر من سنوات عديدة أن المرحوم فؤاد إسكندر- وزير الهجرة أيام الدكتور عاطف صدقى - دعانى لاجتماع، وجرى الحديث فيه عن الطيور المهاجرة، وأذكر أننى اقترحت يومها على عميد كلية الطب - قصر العينى، وكان حاضراً، أن يعين مجدى يعقوب عضواً فى مجلس الكلية، ورحب الجميع بالاقتراح، ومع ذلك لم ير الاقتراح النور رغم مرور عدد من السنين الطوال.

وسمعت خبراً - وقد يكون من باب ذر الرماد فى العيون - أن مجلساً علمياً من علماء مصر الكبار فى الداخل والخارج قد تكوّن، وأن هذا المجلس سيلحق قريباً بالمجالس القومية المتخصصة، حيث يمارس فن إهدار الطاقات البشرية ودفن نتاج الكفاءات كى تحرم مصر من علم أبنائها وعطائهم.

comment 0 التعليقات:

إرسال تعليق

Delete this element to display blogger navbar