قنوات فضائية

المشاركات الشائعة

ضع كود الإضافة هنا (الإضافة تظهر فقط في الرئيسية )

بحث كامل عن يوليوس قيصر

النشأة

ولد يوليوس قيصر في عائلة عريقة من الأشراف الرومان, عايش في مرحلة مراهقته عهد الحرمان (الحرمان من حماية القانون) الذي فرضه ماريوس صهر أبيه. كما عايش عهد ديكتاتورية سولا وأوائل عهد بومبي Pompey.

يوليوس قيصر


تاريخ قيصر

في حي سابورة- وهو حي من الطراز القديم، ومن الأحياء التي تكثر فيها الحوانيت والحانات والمواخير. في هذا البيت ولد قيصر في عام 100ق.م، وكان مولده نتيجة لجراحة هي التي كانت سبباً في تسميته باسمه الأول. كان يوليوس قيصر منذ صغره محباَ للعلم حيث درس في اليونان العديد من العلوم, إذ كانت اليونان مركز العلوم في ذلك الحين و كان أبناء أثرياء روما يرسلون إاليها للتعلم ثم التدرج في العمل السياسي أو ما شابه. انضم قيصر إلى المعترك السياسي منذ بداياته حيث كانت عائلة قيصر معادية بصورة تقليدية لحكم الأقلية المتمثل بمجموعة من الأعضاء النبلاء في مجلس الشيوخ.
وجاء قيصر ليتبع هذا التقليد. أودعه سولا بالسجن لفترة قصيرة لكنه تمكن من المحافظة على علاقات طيبة مع النبلاء لعشر سنوات بعد إطلاق سراحه. حتى أنه تم اختياره زميلاَ جديداَ في كلية القساوسة عام 73 ق.م. ثم أنضم إلى صفوف الجيش الروماني كضابط ومحاسب تابع للحكومة الرومانية إلى أن قاد جيشه الخاص المعروف كأكثر جيوش روما إنضباطاً على الإطلاق. وقف قيصر إالى جانب بومبي مؤيداَ له بصورة صريحة عام 71 ق.م. وشكل قيصر وبومبي و كراسوس أول حكومة ثلاثية.

تمثال رأس يوليوس قيصر في متحف Kunsthistorisches Museum, فيينا


خلال السنوات التسع التي تلت انشغل قيصر بقيادة حملاته في بقاع مختلفة من العالم شملت توسعة نفوذ روما إلى كل من بلاد الغال (فرنسا) و سوريا و مصر و غيرها, حيث كانت معظم حملاته ناجحة إلى حد مثير حيث عين حاكما لإسبانيا البعيدة ليتم إنتخابه قنصلاَ. ونصب بعد ذلك حاكماَ على بلاد الغال, وكانت تلك مهمة شغلته لتسعة سنوات كان خلالها تاركاَ لبومبي و كراسوس أمر حماية مصالحه في روما.
إلا إنه كانت هناك خلافات كثيرة بينهم عند هذا الوقت جعلتهم يعقدون لقاءَ فيما بينهم في لوكا عام 56 ق.م. في محاولة لحل تلك الخلافات. عين بومبي قنصلاَ وحيداَ عام 52 ق.م. بعد موت كراسوس الأمر الذي نتج عنه حرباَ أهلية وهزيمة لجيش بومبي في إسبانيا عام 45 ق.م ثم عاد قيصر بعد ذلك إالى روما ليكون حاكمها الدكتاتوري المطلق.
ولما عاد إلى رومه وزع جهوده بين السياسة والحب. وكان وسيم الوجه وإن كان سقوط شعر رأسه في هذه السن المبكرة أخذ يشغل باله. ولما توفيت كرنليا في عام 68 تزوج بمبا ابنة حفيدة صلا. وإذ كان هذا الزواج زواجاً سياسياً محضاً فإنه لم يتورع عن العلاقات الجنسية غير المشروعة حسب عادة ذلك الوقت؛ حاول تحسين ظروف حياة المواطنين الرومان وزيادة فعالية الحكومة وجعلها تتبنى مواقف تتم عن صدق وأمانة وأعلن في عام 44 ق.م. عن جعل ديكتاتوريته المطلقة حكماَ دائما على روما,
غير أن أعداءه الكثر دبروا له مؤامرة كانت نتيجتها اغتياله في آذار من عام 44 ق.م., مما ادخل روما بحرب أهلية أخرى وحزن كبير على فقدانه حيث انتقم ماركوس أنطونيوس (زميل قيصر) و أغسطس قيصر (إبن قيصر بالتبني) من مغتالي قيصر وهم بروتوس (الذي يعتقد أنه كان ابناَ لقيصر) والذي قدم له قيصر في حياته العديد من المناصب و الألقاب و عينه حاكم لغاليا و كاسيوس الذي كان يخدم في جيش قيصر أيضا مما جعل اغتيال قيصر قصة درامية تاريخية ذكرها العديد من الكتاب و أبرزهم شكسبير الذي وصفها بأقبح عملية إغتيال بالتاريخ.



Roman silver Denarius with the head of captive Gaul 48 BC, following the campaigns of Caesar.


القنصل

بدأ قيصر حياته السياسية بأن تحالف مع كاتلين سراً واختتمها بأن أعاد الحياة إلى روما. ذلك أنه لم يكد يمضي عام واحد على موت صلا حتى قدم للمحاكمة نيوس دلابلا Gnaeus Dolabella أحد العاملين في حركة صلا الرجعية ، وكان قرار المحلفين على غير ما يشتهيه قيصر ، ولكن العامة هللت له حين هاجم ذلك القرار في خطبة بليغة ردد فيها المبادئ الديمقراطية. نعم إنه لم يكن يضارع شيشرون في تحمسه وفكاهته، أو في جمله الموزونة القوية، أو في حدة لسانه. والحق أن قيصر كان يبغض أسلوب شيشرون "الأسيوي" لأنه اعتاد من أول الأمر ذلك الأسلوب الموجز القوي ذا البساطة الصارمة التي امتازت بها فيما بعد "تعليقاته" على الحربين الغالية والأهلية. على أنه رغم هذا كله لم يلبث أن صار أفصح الفصحاء في روما إذا استثنينا شيشرون نفسه.
[1]
واختير قيصر كوسترا في عام 68 ق.م ، وأرسل للعمل في أسبانيا حيث تولى قيادة الحملات العسكرية التي سيرت لتأديب القبائل الوطنية، فخرب مدنها، ونهب من الأموال ما استطاع أن يوفي به بعض ما عليه من الديون. على أن هذه المدن قد حمدت له في الوقت نفسه أن خفض فوائد قروضها من الماليين الرومان، ولما قدم إلى مدينة جادز وشاهد فيها تمثالاً للإسكندر الأكبر أخذ يلوم نفسه على أنه لم يعمل إلا القليل في مثل السن التي فتح الفتى المقدوني حين بلغها نصف عالم البحر الأبيض المتوسط.
ثم عاد بعدئذ إلى رومه واندفع في الصراع القائم وقتئذ في سبيل المنصب والسلطان. فاختير إيديلا أو مشرفاً على المباني العامة في عام 65 ق.م ، وأنفق أمواله أي أموال كراسس- في تزيين السوق العامة بما أقامه فيها من المباني والأعمدة الجديدة؛ وأخذ يتودد إلى العامة بما كان ينفقه عن سعة على الألعاب.

Vercingetorix surrenders to Caesar (by Lionel-Noel Royer).


دخل قيصر المدينة وأدار المعركة الانتخابية بجد ومهارة عجز معارضوه عن مقاومتها. وكان سبب نجاحه مهارته في ضم بومبي إلى قضية الحرية. وكان بومبي قد عاد تواً من بلاد الشرق بعد أن قام فيها بسلسلة من الأعمال الحربية والسياسية المجيدة، فقد طهر البحر من القراصنة، وأمن بذلك سبل التجارة في البحر الأبيض المتوسط ، وأعاد الرخاء إلى المدن التي كان رخاؤها يعتمد على هذه التجارة.
وكان قد أرضى أصحاب المال في روما بفتح بيثينيا وبنتس وسوريا، وكان قد خلع ملوكاً وأجلس على العرش آخرين، وأقرضهم الأموال من غنائمه الحربية بفوائد باهظة، وقبل رشوة كبيرة من ملك مصر الذي دعاه إلى القدوم إليها لإخماد فتنة اندلع لهيبها في تلك البلاد. ثم عاد فامتنع ما اتفق عليه بحجة أنه عمل غير مشروع ؛ ونشر لواء السلام في ربوع فلسطين وجعلها ولاية خاضعة لنفوذ رومه،
وأنشأ تسعا وثلاثين مدينة جديدة، وأقر حكم القانون والنظام والسلام. وقصارى القول أنه كان قد سلك قبل ذلك الوقت مسلك السياسي الحكيم والحاكم القدير وأن مسلكه عاد على البلاد بالمال الوفير. فلما رجع إلى رومه حمل إليها ثروة عظيمة من الضرائب، والخراج، والبضائع التي غنمها في حروبه، ومن الأموال التي افتدى بها الأرقاء أو بيعوا بها، فاستطاع بذلك أن يعمر خزانة الدولة بمائتي مليون سسترس، وأن يضمن لها إيراداً سنوياً قدره ثلاثمائة وخمسون مليوناً، وأن يوزع على جنوده ثلاثمائة وأربعة وثمانين مليوناً،
وأن يستبقي لنفسه رغم هذا كله من المال ما ينافس به كراسس فيكون أحد رجلين هما أغنى أغنياء روما.
وكان خوف مجلس الشيوخ من هذه الأعمال أكثر من سروره منها، فلما علم أن بومبي قد نزل في برندزيوم ومعه جيش يدين له بالولاء والإخلاص، ويستطيع بكلمة من قائده أن يجعله حاكماً بأمره على البلاد، لما علم مجلس الشيوخ ذلك تملكه الرعب.

يوليوس قيصر


ولكن بومبي كان رجلاً كريماً عظيماً، فسرح جنوده ودخل روما وليس معه إلا أتباعه الأخصاء. ودام الاحتفال بنصره يومين كاملين، ولكن هذه الفترة على طولها لم تكف لعرض الحفلات التي تصور انتصاراته وتظهر مغانمه. وكان مجلس الشيوخ حقوداً ضنيناً، فرفض طلبه القاضي بتوزيع الأرض على جنوده، ولم يقر الاتفاقات التي عقدها مع الملوك المغلوبين، وأعاد النظم التي أقامها من قبله لوكلس في بلاد الشرق والتي أغفلها بومبي . وكانت نتيجة هذه العمال أن تمزق اتفاق شيشرون المعروف بحلف الطبقات Concordi ordinum،
وأن ألقى بومبي والرأسماليين في أحضان الطبقات الدنيا واغتنم قيصر هذه الفرصة السانحة فألف منه ومن بمبي وكراسس الحكومة الثلاثية الأولى وتعهدوا جميعاً أن يقاوموا كل تشريع لا يرضى عنه أي واحد منهم. واتفق بمبي أن يساعد قيصر في أن ينتخب قنصلاً، كما تعهد قيصر، إذا ما اختير لهذا المنصب، أن ينفذ الاقتراحات التي عرضها ورفضها مجلس الشيوخ. وكانت الحملة الانتخابية شديدة مريرة استخدمت فيها الرشوة من كلا الجانبين. ولما سمع كاتو زعيم المحافظين أن حزبه يبتاع أصوات الناخبين تحلل من مبادئه الأولى ووافق على هذا العمل بحجة أنه وسيلة إلى غرض نبيل، واختار العامة قيصر كما اختار الأشراف ببياوس Pibulus. وما كاد قيصر يتسلم مقاليد منصبه حتى عرض على مجلس الشيوخ المطالب التي تقدم بها بومبي: وهي توزيع الأرض على عشرين ألفاً من المواطنين الفقراء ومنهم جنود بمبي ،
والتصديق على الاتفاقات التي عقدها بمبي في بلاد الشرق، وتخفيض المبالغ التي تعهد الملتزمون بجمعها من ولايات آسيا بمقدار ثلثها. ولما عارض المجلس كل مطلب من هذه المطالب بجميع ما لديه من وسائل فعل قيصر ما فعله ابنا جراكس، فعرضها على الجمعية مباشرة.

كان يوليوس قيصر أول من رسمت صور رأسهم على العملة الرومانية المعدنية


واستطاع المحافظون أن يقنعوا ببيلوس ، كما أقنعوا العرافين بأن يعلنوا أن الحظ غير موات لإجابتها. ولم يأبه قيصر لأقوال العرافين، وحمل الجمعية على أن تتهم ببيلوس بالخيانة، وقام رجل متحمس من العامة فأفرغ وعاء من البراز على رأس ببيلوس. ثم وافقت الجمعية على مشروعات قيصر، وكانت تجمع، كما تجمع مشروعات ابني جراكس، بين السياسة وخطة مالية ترضي رجال الأعمال. وأعجب بمبي بوفاء قيصر بعهده، واتخذ يوليا ابنته زوجة رابعة له، وأصبح الاتفاق بين العامة والطبقة الوسطى رابطة حب وصداقة.
وتعهد أعضاء الحكومة الثلاثية للنجاح المتطرف من أتباعهم أن يؤيدوا ببيلوس كلوديوس Publius Clodius في أن ينتخب تربيوناً في خريف عام 59، وأخذوا يعملون من ذلك الحين للمحافظة على رضاء الناخبين بما يقدمونه لهم من ضروب اللهو والألعاب الكثيرة. وتقدم قيصر بمشروعه الثاني الخاص بتوزيع الأراضي في شهر إبريل من ذلك العام نفسه. وكان هذا المشروع يقضي بتوزيع الأراضي التي تملكها الدولة في كمبانيا على من كان له ثلاثة أبناء من المواطنين الفقراء؛ وتجاهل قيصر مجلس الشيوخ مرة أخرى، وأجازت الجمعية المشروع، وبذلك تمت الموافقة على سياسة ابني جراكس بعد جهود دامت مائة عام كاملة.
ولزم ببليوس Bibulus في ذلك الوقت بيته واكتفى بأن أخذ يصدر من حين إلى حين تصريحات يقول فيها إن الطوالع غير مواتية للتشريعات الجديدة. أما قيصر يصرف الشؤون العامة من غير أن يستشيره فيها، وبلغ من إهماله إياه أن كان الفكهون من أهل المدينة يصفون هذا العام بأنه "قنصلية يوليوس وقيصر".

Morte de Césare (Death of Caesar) by Vincenzo Camuccini


وأراد أن يفرض رقابة الشعب على مجلس الشيوخ، فأنشأ أول صحيفة إخبارية، بأن جعل الكتبة يسجلون أعمال الشيوخ وغيرهم، مضافة إلى الأخبار اليومية، ثم تعلق هذه "الأعمال اليومية" ويحملها إلى جميع أجزاء الإمبراطورية رُسل يخصصون لهذا العمل.
وقبل أن تنتهي فترة هذه القنصلية التاريخية أفلح قيصر في أن يعين والياً على بلاد الغالة الجنوبية وغالة ناربونة في الخمس السنين التي تلي سنة القنصلية. وإذ كان القانون يحرم إقامة الجنود في إيطاليا نفسها فإن قيادة الفيالق المقيمة في شمال إيطاليا قد جعلت لصاحبها السيطرة العسكرية على شبه الجزيرة بأكملها. وأراد قيصر أن يستوثق من بقاء تشريعاته السابقة، فعمل على أ ينتخب صديقاه جابنيوس Gabinius وبيزو Piso قنصلين في عام 58،

وتزوج كلبيرنيا Calpurnla ابنة بيزو؛ ولكي يضمن استمرار العامة على تأييده بذل جهوده الموفقة لانتخاب كلوديوس تربيوناً في عام 58. ولم يحز لنسفه أن تتأثر مشروعاته بطلاقة الحديث لزوجته الثالثة بمبيا بسبب ارتيابه في صلاتها غير المشروعة بكلوديوس.

A diabase bust of Caesar


الأخلاق والسياسة

كان ببليوس كلوديوس بلشر Publiws Claudius Pulcher أيببليوس كلوديوس الجميل فرعاً من دوحة آل كلوديوس. وكان شاباً أرستقراطياً باسلاً لا يهاب الردى ولا يتورع من الناحية الخلقية عن اقتراف أية موبقة. وقد نزل من مرتبته السامية، كما نزل منها كاتلين و قيصر ، ليقود العامة في كفاحهم ضد الأغنياء، وأراد أن يكون من حقه أن يختار تربيوناً فأقنع إحدى الأسر الفقيرة في أن تتبناه، وأراد أن يعيد توزيع الثروة التي تجمعت في أيدي بعض الطبقات في رومه، وأن يقضي على شيشرون- وكان قد استطال في عرض أخته كلوديا وأخذ يدليع عن حرمة الملكية- فعمل جندياً عادياً تحت إمرة قيصر حتى يستطيع أن يستولي على زمام السلطة.
وكان يعجب بخطط قيصر ويعشق زوجته، واحتال للوصول إليها بأن تزيى بزي امرأة ودخل بيت قيصر ، ثم تزيى بزي كاهن واشترك في المراسم الدينية التي يقيمها النساء وحدهن إلى الآلهة الطيبة Bona Dea. ثم افتضح سره ووجهت إليه تهمة الاعتداء على حرمة الإلهة وأسرارها ، وحوكم على هذه التهمة. ولما نودي على قيصر ليشهد عليه قال إنه لا يوجه تهمة ما إلى كلوديوس. فلما سأله المدعي العمومي عن سبب طلاقه بمبيا قال إن سبب هذا الطلاق هو "أن زوجتي يجب أن تكون بعيدة عن الشبهات".
وكانت هذه إجابة لبقة تسيء إلى ذلك العون السياسي القيم، ولا تسيء إليه هو، وشهد كثيرون من الشهود بأن كلوديوس من الشهود كان على اتصال بكلوديا، وأنه ضاجع أخته ترشيا بعد زواجها من لوكس: واحتج كلوديوس بانه كان غائباً عن روما في ذلك اليوم الذي يعزى إليه فيه ذلك الاتهام المزعوم الدنيء، ولكن شيشرون شهد بان كلوديوس كان معه في روما في ذلك اليوم نفسه.
وظن الشعب أن المسألة كلها مؤامرة من مجلس الشيوخ للقضاء على زعيم من زعمائه ، وأخذ يطالب ببراءته من التهمة الموجهة إليه. ورشا كراسس عدداً من القضاة- بتحريض قيصر كما يقول بعضهم- ليحكموا في صالح كلوديوس، واستطاع المتطرفون للمرة الأولى أن يقدموا من المال أكثر مما يقدمه المحافظون، وبرئ كلوديوس. ولم يدع قيصر هذه الفرصة السانحة تفلت من يده فاستبدل بزوجة من أبناء المحافظين ابنة أحد الشيوخ المناصرين لقضية الشعب. ولم يكد قيصر يعتزل منصبه حتى اقترح بعض المحافظين إلغاء كل التشريعات التي أصدرها إلغاء تاماً.
ولم يكتم رايه في هذه "القوانين اليوليوسية" وطلب بمحوها من سجلات القوانين الرومانية. وتردد مجلس الشيوخ في الاستجابة إلى هذا التحدي الصريح لقيصر ومن ورائه الجحافل الرومانية، ولكلوديوس المسيطر على التربيونية. وكان كاتو في عام 63 قد خطب ود الشعب وحاول ضمه إلى جانب المحافظين بإعادة النظام القاضي بتوزيع الغلال على الأهلين بثمن بخس. وأراد كلوديوس أن يكون أكثر منه استرضاء للعامة فأخذ يوزع الغلال من غير ثمن على كل من يطلبها، وأقرت الجمعية بناء على طلبه مشروعات قوانين تحرم رفض الإجراءات التشريعية بالاستناد إلى الحجج الدينية وتجعل تأليف الهيئات النقابية من الحقوق المشروعة، وكان مجلس الشيوخ قد حاول من قبل حلها. وقد أعاد هو تنظيم هذه الهيئات وجعل لها حق الاقتراع مجتمعة، وكسب بذلك ولاءها وإخلاصها له، فعينت له من أعضائها حرساً مسلحاً.
وإذ كان يخشى أن يحاول كاتو وشيشرون، بعد أن تنتهي فترة توليه منصبه، إلغاء ما قام به قيصر من الأعمال فقد أقنع الجمعية بتعيين كاتو مندوباً رومانياً في قبرص وإصدار قرار يقضي بنفي كل من يتسبب في قتل أي مواطن روماني دون أن يحصل على موافقة الجمعية، كما تتطلب ذلك قوانين الدولة. ورأى شيشرون أنه هو المقصود بهذا القانون، ففر إلى بلاد اليونان حيث أخذت المدن والشخصيات الكبيرة تتنافس في تكريمه والاحتفاء بمقدمه. وكان رد الجمعية على هذا القرار أن قررت مصادرة أملاك شيشرون، وهدم بيته القائم على تل البلاتين Palatine. وكان من حسن حظ شيشرون أن كلوديوس قد غمره ما ناله من نصر، فأخذ يهاجم بمبي وقيصر، ويحاول الانفراد بزعامة الشعب. وكان جواب بمبي على خطط كلوديوس أن أيد الطلب الذي تقدم به كونتس Quintus أخو شيشرون بالسماح لخطيب رومه أن يعود إليها.
ودعا مجلس الشيوخ جميع المواطنين الرومان إلى الاجتماع في عاصمة الدولة ليبدوا رأيهم في هذا الاقتراح. وجاء كلوديوس بعصابة مسلحة إلى ميدان المريخ لتشرف على عملية الاقتراع، واستخدم بمبي رجلاً فقيراً من الأشراف يدعى أنيوس مليو Annius Milo لتنظيم عصابة أخرى لمناوأتها، وكانت نتيجة ذلك حدوث شغب واضطراب سفكت فيه الدماء، فقتل عدد كبير من الناس ولم ينج كونتس نفسه من القتل إلا بمعجزة من المعجزات. على أنه أفلح فيما كان يرمي إليه، وعاد شيشرون ظافراً إلى رومه بعد نفي دام عدة شهور ، وحيته في طريقه من برنديزيوم إلى رومه جماهير غفيرة بلغت من الكثرة حداً تظاهر معه شيشرون بالخوف من أن يتهم بأنه قد دبر أمر نفيه ليحظى بهذا التكريم العظيم عند عودته. ويلوح أنه قد تعهد بمناصرة بمبي، ولعله أيضاً قد تعهد بمناصرة قيصر، نظير سماحمها بعودته.
وشاهد ذلك أن قيصر أقرضه أموالاً كثيرة لينظم بها شؤونه المالية من جديد، وأبى أن يتقاضى عليها فائدة.

Deification of Julius Caesar as represented in a 16th-century engraving.


فتح بلاد غالة

تسلم قيصر في عام 58 ق.م مهام منصبه ، منصب حاكم بلاد غالة الجنوبية والنربونية، أي شمالي إيطاليا وجنوبي فرنسا. وكان أريوفستس قد سار في عام 71 ق.م على رأس خمسة ألفاً من الجرمان إلى بلاد الغالة حين استعانته إحدى قبائلها على قبيلة أخرى. وقدم لها قائد الألماني المعونة التي طلبتها ولكنه لم يغادر البلاد، بل بقي فيها ليبسط حكمه على جميع القبائل الضاربة في شمالي غالة الشرقي. واستنجدت قبيلة الإيدوي Aedui إحدى هذه القبائل برومه لتعينها على الألمان .
وخولّ مجلس الشيوخ الحاكم الروماني على بلاد غالة النربونية حق إجابة هذا الطلب، ولكنه في الوقت نفسه تقريباً ضم أريوفستس إلى طائفة الحكام الموالين لرومه. وكان مائة وعشرون ألفاً من الألمان قد عبروا في هذه الأثناء نهر الرين ، واستقروا في فلاندرز فشدوا بذلك أزر أريوفستس ، وأخذ يعامل أهل البلاد معاملة الشعوب المغلوبة، وشرع يمني نفسه بالاستيلاء على بلاد غالة بأجمعها. وبدأت في الوقت عينه قبائل الهلفتي Helvetti الضاربة حول جنيفا تهاجر نحو الغرب، وكانت عدتها نحو 368.000،
وأنذر قيصر بان هذه القبائل تعتزم اختراق بلاد غالة النربونية في طريقها إلى جنوبي فرنسا الغربي. ويصف ممسن Mommsen حركات هذه القبائل بقوله: "لقد كانت القبائل الألمانية الضاربة تتحرك في جميع الأصقاع الممتدة من نهر الرين إلى المحيط الأطلنطي ، وكانت هذه اللحظة شبيهة باللحظة التي انقضت فيها قبائل الألماني والفرنجة على إمبراطورية القياصرة المتداعية.. بعد خمسمائة عام من ذلك الوقت" وأخذ قيصر يحتال لإنقاذ رومه بينا كانت روما نفسها تدبر المؤامرات للقضاء عليه.



Commentarii de Bello Gallico, an account written by Julius Caesar about his nine years of war in Gaul.



وجند قيصر من ماله الخاص. ومن غير أن يرجع في ذلك إلى مجلس الشيوخ- وكان الدستور يحتم عليه الرجوع إليه- نقول جند ثلاث فرق جديدة كاملة العدة زيادة على الأربع الفرق التي كانت تحت إمرته. ثم أرسل يدعو أريوفستس ان يحضر إليه من فوره ليبحث الموقف معه. ورفض أريوفستس الدعوة كما كان قيصر يتوقع. وأقبلت وقتئذ على قيصر وفود كثيرة من القبائل الغالية تتطلب إليه حمايتها، فأعلن الحرب على أريوفستس وقبائل الهلفتي، واتجه بجيوشه نحو الشمال ودارت بينه وبين جحافل الهلتي معركة حامية عند ببركتي Bibracte عاصمة الإيدوي، ومكانها الآن بالقرب من بلدة أوتون Autun الحالية.
وانتصرت جيوش قيصر في هذه المعركة انتصاراً غير حاسم ، أقرب ما يكون إلى الهزيمة، كما يقول قيصر نفسه، ونحن مضطرون أن نأخذ عنه هو معظم هذه الأنباء. وعرض الهلفتي أن يعودوا إلى موطنهم في سويسرا، ووافق قيصر على أن يؤمنهم في عودتهم إليه، ولكنه اشترط عليهم أن تخضع البلاد التي كانوا يحتلونها إلى حكم روما. وبعثت بلاد الغالة جميعها وقتئذ تشكر له تخليصها من أعدائها ، وترجوه أن يساعدها على طرد أريوفستس.
ولا جدال في أن قيصر ومعاصريه لم يكونوا يدركون ما سوف تتمخض عنه انتصاراته الدموية من نتائج بعيدة المدى، فقد كان أقصى ما يظنه أنه أنقذ إيطاليا ، وضم لها ولاية جديدة. وأنشأ لها جيشاً قوياً، لكنه لم يدر بخلده أنه منشئ الحضارة الفرنسية. ودهشت روما إذ وجدت أن قيصر إداري قادر لا يعتريه ملل ، وقائد محتك واسع الحيلة ، بعد أن لم تكن تعرف عنه أكثر من أنه رجل متلاف رقيع، وسياسي، ومصلح. ثم أدركت في الوقت عينه أنه مؤرخ عظيم. ذلك أنه وهو في ميادين القتال تقض مضجعة الهجمات المتوالية عليه من رومه، كان يسجل فتوحه في غالة، ويدافع عن هذه الفتوح في شروحه Commentaries،
وقد سما بها إيجازها العسكري- إذا جاز أن نصفها بهذا الوصف- وبساطتها الفنية من منزلة النشرات الحزبية إلى أسمى مكان في الأدب اللاتيني. وحتى شيشرون نفسه، بعد أن تقلب مرة أخرى في مبادئه السياسية، أخذ يتغنى قيصر ويستعجل في ذلك الوقت ما حكم به عليه التاريخ فيما بعد إذ قال: ليست معاقل الألب المنيعة، ولا مياه الرين الفياضة الصاخبة، هي الدرع الحقيقي الذي صد عنا غارات والقبائل الألمانية الهمجية، بل الذي صدها في اعتقادي هو قيادة قيصر وقوة ساعديه.
ولو أن الجبال دكت وسويت بالسهول، والأنهار جفت، لاستطعنا أن نحتفظ ببلادنا حصينة منيعة بفضل ما نال قيصر من نصر مؤزر وما قام به من أعمال مجيدة. ألا ما اعظم فضله علينا. ويجب أن نضيف إلى هذا ما أثنى به عليه ألماني عظيم إذ قال: إذا كان ثمة جسر يربط ماضي هلاس و روما المجيد بتاريخ أوربا الحديث ، الذي هو أعظم منه مجداً وأسمى قدراً، وإذا كان غرب أوربا رومانياً، وإذا كانت أوربا الألمانية قد صبغت بالصبغة اليونانية والرومانية القديمة.. فما ذلك كله إلا من عمل قيصر. وإذا ما أوجده سلفه العظيم في بلاد الشرق قد كادت تمحو معالمه كلها زعازع العصور الوسطى، فإن الصرح الذي شاده قيصر ظل قائماً آلاف السنين التي تبدلت فيها الأديان وتغيرت الدولة.
فساد الدمقراطية

انحطت السياسة الرومانية في خلال الخمس السنين الثانية من ولاية قيصر على غالة إلى الدرك الأسفل من الفساد والعنف ، فقد كان القنصلان بمبي وكراسس يسيران في حكمهما على خطة شراء أصوات الناخبين، وإرهاب المحلفين، والالتجاء إلى القتل في بعض الأحيان. ولما انقضت مدة ولايتهما جند كراسس جيشاً كبيراً وأبحر به إلى سوريا، ثم عبر نهر الفرات، والتقى بالبارثيين عند كرهية Carrhae، ودارت الدائرة عليه لتفوق فرسان البارثيين، وقتل ولده في المعركة. وبينا كان كراسس يرتد بقواته بنظام،
دعاه قائد البارثيين إلى الاجتماع به، فأجاب الدعوة، ولكن القائد البارثي غدر به وقتله، وأرسل رأسه ليمثل به دور بنيثيوس Bentheus في احتفال في بلاط ملك البارثيين، مثلث فيه مسرحية باخية Bacchae ليوربديز Euripidis. وأصبح جيشه بغير قيادة، وكان قد مل القتال، فانحلت عراه وتبدد شمله. وكان بمبي في هذه الأثناء قد جمع له جيشاً، ولعله كان يبغي به إتمام فتح أسبانيا، ولو أن قيصر نجح في خططه لفتح بمبي أسبانيا القاصية، ولأخضع كراسس أرمينية وبارثيا، ولبسطت رومه سلطانها على هذه البلاد جميعها في الوقت الذي فيه قيصر يمد حدود الإمبراطورية الرومانية إلى نهري التاميز والربن.
ولكن بمبي أبقى فيالقه في إيطاليا بدل أن يقودها إلى أسبانيا، إلا فيلقاً واحداً أعاره قيصر إبان الأزمة التي نجمت عن ثورة الغاليين. وحدث في عام 54 ق.م أن انفصمت العروة الوثقى التي كانت تربطه بقيصر على أثر وفاة زوجته يوليا في أثناء الوضع ، وعرض عليه قيصر أن يزوجه أكتافيا حفيدة أخيه وأقرب قريباته في ذلك الوقت ، وطلب أن يتزوج هو بابنة بومبي ، ولكنه رفض كلا العرضين. وأخلت النكبة التي حلت بكراسس وجيشه في العام التالي من الميدان قوة أخرى كانت تعمل على إيجاد التوازن فيه. ذلك أن نجاح كراسس كان من شأنه أن يحول دون طغيان قيصر أو بمبي. وعقد بمبي من ذلك حلفاً صريحاً مع المحافظين ، ولم يبق أمامه لنجاح خططه التي كان ينبغي بها الحصول على السلطة العليا بالطرق المشروعة في الظاهر إلا عقبة واحدة،
هي مطامع قيصر وجيشه. وكان يعرف أن قيادة قيصر للجيش تنتهي في عام 49، فاستصدر مراسيم تقضي بمد أجل قيادته هو إلى آخر عام 46 ق.م ، وطلب إلى جميع الإيطاليين القادرين على حمل السلاح أن يحلفوا يمين الولاء العسكري له هو شخصياً، وكان يعتقد بعد هذا أن الزمن كفيل بأن يجعله سيد روما. وبينا كان القائدان اللذان يبغي كلاهما أ، يكون الحاكم بأمره في رومه يضعان خططهما على هذا النحو كانت الدمقراطية تحتضر في عاصمة البلاد، فكانت الأحكام القضائية، ومناصب الدولة، وعروش الملوك الخاضعين لسلطانها، تباع إلى من يعرض فيها أغلى الأثمان. من ذلك أن القسم الأول من المقترعين في الجمعية قد استولى في عام 53 على عشرة ملايين سسترس ثمناً لأصوات أفراده.
ولما لم ينفع المال لم يتورع ذوو الشأن عن الالتجاء إلى الاغتيال أو كشف الستار عن ماضي الناس، والتهديد بالكشف عن فضائحهم، فلم يروا أمامهم سبيلاً غير الإذعان. وفشا الإجرام في المدينة كما انتشرت السرقات في الأقاليم، ولم يكن في هذه ولا في تلك قوة من الشرطة تطمئن الناس على أنفسهم أو أموالهم، فكان الأغنياء يستأجرون عصابات من المجالدين يدفعون عنهم الأذى أو يؤيدونهم في الجمعية. واستهوت رائحة المال أو هبات الحبوب أحط الطبقات في إيطاليا فهرعت إلى رومه، وجعلت اجتماعات الجمعية مهزلة من المهازل، فكان كل من يقبل الاقتراع كما يطلب إليه يؤذن له بدخولها سواء كان من مواطني رومه أو من غير مواطنيها. وكان يحدث في بعض الأحيان ألا يكون من بين من أعطوا أصواتهم إلا أقلية هي التي لها حق الاقتراع.
وكثيراً ما كان الخطباء يحصلون على حق الخطابة في الجمعية بالهجوم على المنصة والاستيلاء عليها قوة واقتداراً. وأضحت العصابة التي ترفعها قوتها على سائر العصابات المنافسة لها هي التي تشرع للدولة، كما كان الذين يقترعون على غير هواها يضربون حتى يكاد يقضي عليهم، ثم تشعل النار بعد الضرب في بيوتهم. وقد كتب شيشرون بعد جلسة من هذه الجلسات يقول: "لقد امتلأ التييبر بجثث المواطنين كما سدت بها البالوعات العامة، واضطر الأرقاء إلى امتصاص الدم بالإسفنج من السوق العامة". وكان كلوديوس وميلو أعظم الخبراء الممتازين في هذه المهزلة البرلمانية،
فقد كانا ينظمان عصابات من أحط الطبقات ليصلوا بها إلى أغراضهم السياسية، وقلما كان يوم واحد يمر دون أن توضع قوة هذه العصابات موضع الاختبار. من ذلك أن كلوديوس هاجم شيشرون في أحد شوارع المدينة في يوم من الأيام، وحرق أجراؤه بيت مليو في يوم ثان، ثم قبضت عصابات ميلو على كلوديوس نفسه في يوم آخر وقتله. غير أن صعاليك المدينة الذين لم يكونوا يجهلون ما يدبره من المؤامرات رفعوه إلى مقام الشهداء، واحتفلوا بجنازته احتفالاً عظيماً، وجاءوا بجثته إلى مجلس الشيوخ، وحرقوا البناء فوقها كأنه كومة الحطب التي تحرق عليها جثث الموتى.
وجاء بمبي بجنوده ففرقوا الغوغاء، ثم طلب إلى المجلس جزاء له على عمله هذا أن يعينه "قنصلاً بغير زميل"، وهي عبارة نصح بها كاتو وقال إنها أخف على السمع من لفظ دكتاتور. ثم عرض بمبي على الجمعية، بعد أن أرهبها بجنده، عدة اقتراحات يبغي بها القضاء على الرشوة والفساد السياسيين المنتشرين في البلاد، كما عرض عليها اقتراحاً بإلغاء حق المرشح لمنصب القنصل أن يفعل هذا وهو غائب عن رومه، (وكانت الجمعية قد منحت قيصر هذا الحق بناء على مشروع قانون عرضه عليها بمبي نفسه في عام 55 ق.م. وأخذ يشرف بنفسه على قوة الدولة العسكرية، وعلى أعمال المحاكم؛ ولم يؤخذ عليه في هذا الإشراف شيء من الهوى أو المحاباة. وحوكم مليو على جريمة قتل كلوديوس وأدين على الرغم من دفاع شيشرون عنه ثم هرب إلى مرسيليا. وغادر شيشرون رومه ليحكم قليقية ، وحكمها بكفاية ونزاهة أدهشتا أصدقاءه وأغضبتهم عليه. ثم استسلمت عناصر الثروة والنظام كلها في عاصمة البلاد إلى دكتاتورية بمبي، أما الطبقات الفقيرة فظلت صابرة تتلهف على عودة قيصر.
الحرب الأهلية

دامت الفتن والثورات في الدولة الرومانية مائة عام ، حطمت في خلالها كيان الطبقة الأرستقراطية الأنانية القليلة العدد التي كانت تتولى شؤون الحكم في البلاد، ولكنها لم تحل حكومة أخرى محلها. فأما الجمعية فقد أفسدها التعطل والرشوة والخبز ومجالدة الوحوش، فأحالتها إلى جماعة من الغوغاء الجهلة تسيطر عليهم أهواؤهم وشهواتهم، فكانت بذلك عاجزة أشد العجز عن حكم نفسها بله حكم إمبراطورية واسعة الرقعة. وانحطت الديمقراطية حتى أضحت وكأنها هي المعنية بقول أفلاطون: "صارت الحرية إباحية ، وأخذت الفوضى تتوسل أن يوضع حد للحرية".
ولم يختلف قيصر مع بومبي في أن الجمهورية قد ماتت، وأنها أصبحت على حد قوله: اسماً على غير مسمى لا جسم لها ولا صورة". ولم يكن ثمة مفر من الدكتاتورية، ولكنه كان يريد أن يضع أزمة الأمور في أيدي قيادة تعمل لتقدمها ورقيها، قيادة غير جامدة لا تبقي البلاد على حالها التي تردت فيها، بل تبذل جهودها لتخفيف ما يتغلغل فيها من مفاسد ومظالم وفاقة أفسدت الديمقراطية وهوت بها إلى الحضيض. وكان قيصر وقتئذ في الرابعة والخمسين من عمره، وما من شك في أنه قد أوهنته حروبه الطويلة في غالة، وأنه لم يكن يحب أن يتورط في محاربة مواطنيه وأصدقائه السابقين، ولكنه كان على علم بالمؤامرات التي تحاك له، والفخاخ التي تنصب لاقتناصه، وكان يؤلمه أشد الألم أن تكون هذه المؤامرات والفخاخ هي الجزاء الذي يجزي به من أنجى إيطاليا من الدمار والخراب. وكانت مدة حكمه في غالة تنتهي في اليوم الأول من شهر مارس سنة 49 ق.م، ولم يكن في وسعه أن يتقدم للقنصلية إلا في خريف ذلك العام ،
وفي الفترة الواقعة بين الزمنيين يفقد الحصانة التي يسبغها عليه منصبه، ولا يستطيع دخول رومه دون أن يعرض نفسه للاتهام بأنه خارج على القانون ، وهو السلاح المألوف الذي كانت تلجأ إليه الأحزاب المختلفة في روما في نزاعها على السلطة. وكان ماركس مارسلس Marcus Maecellus قد عرض قبل ذلك الوقت على مجلس الشيوخ أن يعزل قيصر من الولاية قبل انتهاء مدتها، ومعنى هذا الغزل هو البقاء خارج البلاد أو المحاكمة، وكان التربيونان قد أنجياه من هذه المكيدة باستخدام ما لهما من حق الاعتراض، ولكن مجلس الشيوخ كان بلا ريب راضياً عن هذا الاقتراح، وقال كاتو بصريح العبارة إنه يرجو أن توجه التهمة إلى قيصر،
وأن يحاكم وينفى من إيطاليا. أما قيصر نفسه فلم يدخر جهداً في العمل على إزالة أسباب النزاع بينه وبين خصومه. فلما أن طلب مجلس الشيوخ بإيعاز بمبي أن يتخلى له كلا القائدين عن فيلق يرسله لقتال بارثيا، أجابه قيصر من فوره إلى طلبه، وإن لم تكن القوة الني لديه كبيرة. ولما طلب بمبي إلى قيصر أن يعيد إليه الفيلق الذي أرسله له قبل عام من ذلك الوقت، بادر أيضاً بإرساله إليه، وإن كان أصدقاؤه قد أبلغوه أن الفيلقين لم يرسلا إلى بارثيا بل بقيا في كابوا.
وطلب قيصر على لسان مؤيديه في مجلس الشيوخ أن يعاد العمل بقرار الجمعية السابق الذي كان يجيز له أن يرشح نفسه لمنصب القنصلية وهو غائب عن روما ، ولكن المجلس رفض الاقتراح وطلب إلى قيصر أن يسرح جنوده. وأحس هو أن ليس له سند يحميه إلا فيالقه، ولعله لم يكن يعمل لكسب ولائهم له إلا ليقفوا إلى جانبه في مثل هذه الأزمة. غير أنه في ذلك الوقت عرض على مجلس الشيوخ أن يعتزل هو وبمبي منصبيهما- وبدا هذا العرض معقولاً لا غبار عليه في نظر الشعب، حتى أنه كلل جبين رسوله بالأزهار. ووافق المجلس على هذه الخطبة بأغلبية 370 ضد 22 ، ولكن بمبي أبى أن يخضع لهذا القرار،
حتى إذا أشرف عام 50 ق.م على الانتهاء ولم يبق منه إلا بضعة أيام ، أعلن أن قيصر عدو الشعب إذ لم يتخل عن القيادة قبل اليوم الأول من شهر يوليا. وفي أول عام 49 ق.م قرأ كوريو Curio على المجلس رسالة من قيصر يعلن فيها استعداده لتسريح جيشه كله عدا فيلقين اثنين إذا سمح له بأن يظل والياً على غالة حتى عام 48، ولكنه أفسد هذا العرض بأن أضاف إليه أنه يرى في رفضه إعلاناً للحرب عليه. ودافع شيشرون عن هذا الاقتراح، ووافق عليه بومبي ، ولكن القنصل لنتولس Lentulus تدخل في الأمر وأخرج كوريو Curio وأنطونيوس نصيري قيصر من المجلس ، وبعد نقاش طويل أصدر المجلس على كره منه وبإلحاح لنتولس وكاتو ومارسلس إلى بمبي أمراً وسلطة "يعمل بهما على ألا تصاب للدولة بسوء".
وتلك عبارة رومانية معناها الدكتاتورية والحكم العسكري. وتباطأ قيصر وتردد أكثر مما كانت عادته. فقد كان مجلس الشيوخ من الوجهة القانونية على حق فيما فعل، ولم يكن من حقه هو أن يعرض الشروط التي تعتزل بمقتضاها منصبه وقيادته. وكان يعرف أن الحرب الأهلية قد تثير الفتنة في غالة وتخرب إيطاليا بأجمعها، ولكنه كان يعلم أيضاً أن استسلامه معناه إسلام الإمبراطورية للعجز وللرجعية، وترامي إليه في أثناء تفكيره أن صديقاً من أقرب الأصدقاء إليه ومن أقدر مؤيديه وهو تيتس لبيينس Titus Labienus قد انشق عليه وانضم إلى بمبي ، فما كان منه إلا أن استدعى الفيلق الثالث عشر،
أكثر فيالقه ولاء له وأحبها إلى قلبه، وعرض المر كله على رجاله. وكانت أول كلمة نطق بها أمامهم وهي "زملائي الجنود. Commilitones" كافية لكسب قلوبهم، ولم يكونوا ينكرون عليه حقه في استعمال هذا اللفظ لأنهم رأوه من قبل يشترك معهم في الصعاب ويتعرض معهم للأخطار، وكثيراً ما شكوا هم أنفسهم من أنه يجازف بحياته ويعرضها للخطر فوق ما يجب. وكان هو على الدوام يخاطبهم بهذا اللفظ بدل اللفظ المقتضب الجاف الذي كان ينطق به من هم أقل منه مجاملة
من القواد. وكان معظم رجاله من بلاد الغالة الجنوبية، وهي البلاد التي جعل لأهلها حق المواطنين الرومان، وكانوا يعرفون أن مجلس الشيوخ قد أبى أن يعترف لهم بهذه المنحة، وأن أحد أعضائه قد جلد رجلاً من أهلها ليدل بذلك على احتقاره لعمل قيصر، على الرغم من أن جلد المواطن الروماني كان عملاً لا يجيزه القانون. وكان قيصر قد علمهم في أثناء حروبهم الطويلة أن يحترموه- بل أن يحبوه على طريقتهم الخشنة الصامتة في الحب. وكان قاسياً على الجبناء ومن لا يرعون النظام، ولكنه كان سمحاً ليناً لا يقسو عليهم جزاء لهم على أغلاطهم التي تدفعهم إليها طبيعتهم البشرية، وكان يتغاضى عن أخطائهم الجنسية ويجنبهم ما لا ضرورة له من الأخطار، وكثيراً ما أنجاهم من الهلاك بحنكته وحسن قيادته.
وهذا إلى أنه ضاعف أجورهم، ووزع عليهم كثيراً من غنائمه الحربية، ولما جاءوا إليه شرح لهم ما عرضه على مجلس الشيوخ، وكيف قابل المجلس هذه العروض، وذكر لهم أن الأرستقراطية المتعطلة الفاسدة لا تستطيع أن توفر لرومه النظام والعدالة والرخاء، وسألهم هل يتبعوه؟ فلم يعارض واحد منهم، ولما قال لهم إنه ليس لديه مال يؤدي منه أجورهم جاءوا إلى خزائنه بكل ما كان مدخراً لديهم. وفي اليوم العاشر من شهر يناير نت عام 49 ق.م. عبر بأحد فيالقه الروبيكون وهو مجرى صغير بالقرب من أريمينوم Ariminum كان هو الجنوبي لغالة الجنوبية. ويقال إنه قد نطق في ذلك الوقت بقوله المأثور: "لقد قضي الأمر" Iacta est alea(27)، وخيل إلى الناس أن هذا العمل هو الحمق بعينه لأن الفيالق الخمسة الباقية من جيشه كانت لا تزال بعيدة عنه في بلاد غالة لا تستطيع اللحاق بعه إلا بعد عدة أسابيع، على حين أن بمبي كان لديه عشرة فيالق، أي ستون ألف جندي، وكان من حقه أن يجند ما يشاء من الفيالق الأخرى،
ولديه من المال ما يكفي لتسليحهم وإطعامهم. وانضم بعدئذ إلى قيصر الفيلق الثاني عشر من فيالقه عند بسينوم Picenum، والفيلق الثامن عند كورفنيوم Corfinium، ثم أنشأ ثلاثة فيالق جديدة من أسرى الحرب ومن المتطوعين ومن أهل البلاد؛ ولم يكن يلقي صعوبة في جمع الجنود لأن إيطاليا لم تكن قد نسيت بعد ما قاسته في الحرب الاجتماعية (88)، كانت ترى في قيصر البطل المدافع عن حقوق الإيطاليين. فكانت مدائنها تفتح أبوابها لاستقباله واحدة بعد أخرى، وكثيراً ما خرج سكان بعض هذه المدائن على بكرة أبيهم ليحيوه ويرحبوا به ، وقد كتب شيشرون في ذلك يقول: "إن المدن تحييه كأنه إله معبود" .
وقاومت كورفنيوم مقاومة قصيرة الأجل، ثم استسلمت له ولم يسمح لجنوده أن ينهبوها، وأطلق سراح منه قبض عليهم من الضباط، وبعث إلى معسكر بمبي بكل ما تركه لبيينس Labienus من المال والعتاد. ولم يشأ أن يصادر ضياع من وقع في يده من الأعداء وإن كان في ذلك الوقت معدماً فقيراً لا يكاد يملك شيئاً من المال- وكانت هذه خطة حميدة يمتاز بها قيصر، كان من أثرها أن وقفت كثرة الطبقة الوسطى من الأهلين على الحياد. وأعلن في ذلك الوقت أنه سيعد كل المحايدين أصدقاء له وأنصاراً. وكان في كل خطوة يخطوها إلى الأمام يعرض عروضاً للصلح على أعدائه. من ذلك أنه أرسل إلى لنتولس Lentulus رسالة يرجوه فيها أن يستخدم ما يخلعه عليه منصب القنصل من نفوذ ليعيد السلم إلى البلاد، وعرض رسالة كتبها إلى شيشرون استعداده لاعتزال الحياة العامة وترك المجال إلى بمبي على شرط أن يسمح له بأن يعيش آمناً على حياته.
وبذل شيشرون جهده في التوفيق بين القائدين، ولكن منطقه لم يجده نفعاً أمام تعسف الثورة ودعاواها المتعارضة. ولما تقدم قيصر نحو العاصمة انسحب بومبي هو وجنوده منها وإن كانت جيوشه وقتئذ لا تزال أكثر من جيوش قيصر عدداً. وانسحب من ورائه في غير نظام عدد كبير من الأشراف تاركين وراءهم زوجاتهم وأبناءهم تحت رحمة قيصر. ورفض بمبي عروض الصلح جميعها، وأعلن أنه سيعدّ كل من لم يغادر روما وينضم إلى معسكره عدواً له. ولكن الكثرة العظمى من أعضاء مجلس الشيوخ بقيت في رومه، وتذبذب شيشرون بين الفريقين، وكان يحتقر تردد بمبي وخور عزيمته، فقسم وقته بين ضياعه في الريف وسار بمبي إلى برنديزيوم وعبر بجنوده البحر الأدرياوي. وكان يعرف أن جيشه يعوزه النظام، وأنه في حاجة إلى كثير من التدريب قبل أن يستطيع الصمود في وجه فيالق قيصر ، وكان يرجو أن يستطيع الأسطول الروماني الذي يسيطر هو عليه أن يجوع إيطاليا في هذه الأثناء ويدفعها إلى إبادة عدوه.
ودخل قيصر رومه في اليوم السادس عشر من مارس دون أن يلقى في دخولها أية مقاومة، ودخلها وهو مجرد من السلاح لأنه ترك جنوده في البلدان المجاورة لها؛ وأعلن حين دخولها العفو العام عن جميع أهلها، وأعاد إليها الإدارة البلدية والنظام الاجتماعي. ودعا التربيونان مجلس الشيوخ إلى الانعقاد وطلب إليه قيصر أن يعينه حاكماً بأمره (دكتاتوراً)، ولكن المجلس لم يجبه إلى طلبه، ثم عرض على المجلس أن يبعث رسلاً إلى بمبي ليفاوضوه في عقد الصلح فرفض ذلك أيضاً. فطلب المال من الخزانة العامة فوقف في سبيله التربيون لوسيوس متلس Lucius Metellus فلما قال قيصر إن النطق بعبارات التهديد أصعب عليه من تنفيذها خضع متلس. واستطاع من ذلك الوقت أن يكون حر التصرف في أموال الدولة،
ولكنه كان نزيهاً كل النزاهة، فأودع في الخزانة العامة كل ما غنمه من الأموال في حروبه الأخيرة. ولما تم له ذلك عاد إلى جنوده واستعد لملاقاة الجيوش الثلاثة التي كان بمبي وأنصاره يعدونها في بلاد اليونان وأفريقيا وأسبانيا، وأراد أن يضمن لإيطاليا كفايتها من الحبوب التي تعتمد عليها في حياتها، فأرسل كوريو Curio المتهور العنيف ومعه فيلقان من جيشه ليستولي على صقلية، فلما نزل في الجزيرة سلمها إليه كاتو وانسحب منها إلى إفريقيا، فاندفع وراءه كوريو اندفاع رجيولوي Regulus،
واشتبك معه في معركة لم يكن قد كمل استعداده هو لها، فهزم وقتل في ميدان القتال، ولم يندم عند وفاته على ما أصابه بل ندم أشد الندم على ما ألحقه من الأذى بقيصر. وكان قيصر في هذه الأثناء قد سار على رأس جيش إلى أسبانيا وكان غرضه من هذا الزحف أن يضمن عودتها إلى تصدير الحبوب إلى إيطاليا، وأن يحول بينها وبين الهجوم على مؤخرته حين يزحف لملاقاة بمبي، وارتكب في إيطاليا كما ارتكب في غالة عدة أغلاط عسكرية فنية، كانت عاقبتها أن تعرض جيشه- الذي كان أقل من جيش أعدائه عدداً- للهزيمة وللهلاك جوعاً. ولكنه أنجاه وأنجى نفسه، كمألوف عادته، بسرعة خاطره وشجاعته ، فقد حول مجرى أحد الأنهار واستحال الحصار الذي كان مضروباً عليه حصاراً على أعدائه، وظل صابراً زمناً طويلاً حتى يستسلم له الجيش المحاصر وإن كان جنوده قد ملوا الانتظار طويلاً يطالبون بالهجوم على العدو. ثم استسلم أنصار بمبي آخر الأمر وخضعت أسبانيا كلها إلى قيصر سنة 49 ق.م).
قيصر وكيلوباترا

أخذت مصر بعد وفاة بطليموس السادس 145 ق.م تسير مسرعة في طريق الاضمحلال وعجز ملوكها عن الاحتفاظ بنظامها الاجتماعي أو حريتها القومية ؛ وأخذ مجلس الشيوخ الروماني يقوي فيها سلطانه ويملي عليها إرادته ، بل إنه أقام حامية رومانية في الإسكندرية. وكانت مقاليد الحكم قد آلت بعد وفاة بطليموس الحادي عشر الذي أجلسه بومبي و جابنيوس على العرش إلى أبنه بطليموس الثاني عشر وابنته كيلوباترا ، وذلك لأن والدهما قد أوصى قبل وفاته أن يرثا الملك من بعده، وأن يتزوج الأخ أخته ويشتركا في حكم البلاد معاً. وكانت كليوباترا من أصل يوناني مقدوني، وأكبر الظن أنها كانت أقرب إلى الشقرة منها إلى السمرة. ولم تكن بارعة الجمال ولكن قوامها الرشيق المعتدل. وخفة روحها ، وتنوع ثقافتها"، ودماثة خلقها، وحسن صوتها، مضافة إلى مقامها الملكي قد جعلتها فتنة لكل من رآها تسلبه لبه وإن كان قائداً رومانياً.
وكانت على علم بتاريخ اليونان وآدابهم وفلسفتهم، تجيد الحديث باللغات اليونانية والمصرية والسورية، ويقال إنها كانت تتقن لغات أخرى غير هذه. وقد جمعت إلى فتنة أسبازيا الذهنية فتنة المرأة المتحللة إلى أقصى حد من القيود الخلقية. ويقال إنها ألفت رسالة في مستحضرات التجميل ، وأخرى في المقاييس والموازين والنقود المصرية ، وموضوع الرسالة الثانية موضوع مغر جذاب. وكانت إلى هذا حاكمة قديرة وإدارية ماهرة، نجحت في نشر التجارة المصرية، وارتقت على يديها الصناعة؛ وكانت تجيد تدبير الشؤون المالية حتى في الوقت الذي كانت تنصب فيه شراك الحب. وقد جمعت إلى هذه الصفات شهوة جسدية قوية، ووحشية عنيفة تصب على أعدائها العذاب والموت صباً ،
ومطامع سياسية بعيدة، تحلم ببناء إمبراطورية واسعة، ولا تحترم في سبيل الوصول إلى غايتها قانوناً إلا قانون النجاح. ولو أنها لم يجر في عروقها دم البطالمة المتأخرين الداعرين لكان من الجائز أن تحقق غرضها وتصبح ملكة تحكم دولة واسعة الرقعة تضم بلاد البحر الأبيض المتوسط. وكانت تدرك أن مصر لم تعد قادرة على البقاء مستقلة عن الدولة الرومانية ، ولم تر ما يمنعها أن تكون هي المسيطرة على الدولة المتحدة. وقد استاء قيصر حين عرف أن بوثينس نفى كيلوباترا ، ونصب نفسه نائباً عن بطليموس الشاب يحكم باسمه، ولذلك أرسل إليها سراً، وجاءته سراً وقد احتالت على الوصول إليه بأن أخفت نفسها في فراش حمله تابعها أبولودورس Apollodorus إلى مسكن قيصر. وذهل القائد الروماني حين رآها، وأسرته بشجاعتها وسرعة بديهتها، وهو الذي لم يدع انتصاراته في ميدان القتال تربى على انتصاراته في ميادين الحب. ووفق بينها وبين بطليموس وأجلسها هي وأخاها على عرش مصر كما كانا من قبل. وعرف قيصر من أخيه أن بوثينس هو والقائد المصري أخلاس Achillas كانا يأتمران به ليقتلاه ويبيدا القوة العسكرية الصغيرة التي جاءت معه إلى مصر، فدبر في الخفاء اغتيال بوثينس، وفر أخلاس، واتصل بالجيش المصري، وحرضه على الثورة. وسرعان ما امتلأت الإسكندرية بالجنود ينادون بالويل والثبور لقيصر ، ويحرض ضباط الحامية الرومانية التي وضعها مجلس الشيوخ في تلك المدينة على الانضمام إلى الجيش الثائر ضد هذا الدخيل الخائن الذي سولت له نفسه أن يقرر وراثة عرش البطالمة، وأن يعمل على أن يولد من صلبه من يرث هذا العرش في المستقبل. وعمل قيصر في هذا الظرف الحرج ما كانت تسعفه حيلته، فأحال القصر الملكي والملهى المجاور له إلى قلعتين تحصن فيهما هو ورجاله. ثم أرسل يطلب المدد من آسيا الصغرى وسوريا ورودس. ولما أدرك أن أسطوله الضعيف الذي لم يكن فيه من يحميه لن يلبث أن يقع في يد أعدائه، أمر به فحرق والتهمت النار جزءاً من مكتبة الإسكندرية لا نعرفه على وجه التحديد. ورأى أن لابد له من الاستيلاء على جزيرة فاروس لأنها هي المدخل الذي يمكن أن يصل إليه منه المدد المنتظر، فهاجمها هجوم اليائس، واستولى عليها، ثم جلا عنها، ثم عاد فاستولى عليها. وحدث في إحدى هذه المعارك أن اضطر إلى السباحة في البحر لينجو من الموت بعد أن صوبت إليه عاصفة من السهام، وذلك حين قذف المصريون به وبأربعمائة من رجاله إلى البحر بعيداً عن الحاجز الذي كان يصل الجزيرة بأرض المدينة. وظن بطليموس الثاني عشر أن الثوار قد حالفهم النصر، فخرج من القصر وانضم إليهم واختفى من التاريخ. ولما جاء المدد إلى قيصر هزم به المصريين وحامية مجلس الشيوخ في معركة النيل، وكافأ كليوبطرة على إخلاصها له في هذه الأزمة بأن عين أخاها الأصغر بطليموس الثالث عشر ملكاً معها على مصر، فجعلها بذلك حاكمة البلاد الحقيقية. ويصعب علينا أن ندرك السر في بقاء قيصر تسعة أشهر في الإسكندرية، والجيوش تجيش لقتاله في يتكا Utica، ورومه في أشد الحاجة إلى يده الصناع، لأن كئيليوس Caelius وميلو ينفخان فيها نار الثورة عليه. فلعله كان يحس بأنه جدير ببعض الراحة واللهو بعد حروب دامت عشر سنين؛ وفي هذا يقول سيوتونيوس Suetonius إنه كثيراً ما كان يقضي الليل كله حتى مطلع الفجر يلهو مع كيلوباترا ، وكان بوده أن يسير معها في قاربها من أقصى مصر إلى أقصاها حتى يصلا إلى بلاد الحبشة لولا أن هدده جنوده بالخروج عليه" ، لأن كل واحد منهم لم يجد له فتاة لعوباً. أو لعل شهامته قد أجبرته على أن ينتظر حتى تفيق كيلوبطرة من آلام الوضع، فقد وضعت طفلاً في عام 47 ق.م سمي قيصريون Caesarion، ويقول ماركس أنطونيوس إن قيصر اعترف بأنه ولده. ولا يبعد أن تكون قد أسرت إليه تلك الفكرة الجميلة فكرة أن يكون ملكاً ويتزوجها فيجتمع بذلك عالم البحر الأبيض المتوسط تحت فراش واحد. ذلك كله ظن وهو إلى ذلك إثم ؛ فليس ثمة ما يؤده إلا ما نستخلصه من الشواهد والقرائن المفصلة.
وما من شك في أنه عاد إلى نشاطه حين عرف أن فرناسس Pharnaces بن مثرداتس قد استولى مرة أخرى على بنتس Pontus وأرمينيا الصغرى، وأنه أخذ يدعو بلاد الشرق إلى الثورة من جديد على رومه المنقسمة على نفسها. ووضحت في ذلك الوقت حكمته في "تهدئة" أسبانيا وغالة قبل لقائه بمبي؛ فلو أن الغرب ثار عليه وقت أن ثار الشرق لكان من المرجح أن تتصدع أركان الدولة وأن يزحف "البرابرة" نحو الجنوب، وألا تشهد رومه قط عصر أغسطس. لكن قيصر حال دون ذلك كله؛ فقد بدأ بإصلاح أمر فيالقه الثلاثة، ثم غادر مصر في شهر يونية من عام 47 ق.م، وسار بسرعته المعتادة على طول شواطئ مصر وسوريا وآسيا الصغرى إلى بلاد بنتس وهزم فرناسس في واقعة زيلا Ziela (2 أغسطس)، وبعث من ميدان القتال إلى صديق لع بهذا الخبر القصير البليغ: "جئت، ورأيت، وهزمت" vein, vidi, vici.
وقابله شيشرون عند تارنيم (26 سبتمبر)، وطلب إليه أن يعفو عنه وعن غيره من المحافظين، فأجابه إلى ما طلب وأظهر له الرضا والود، وهاله بعد أن عاد إلى روما أن الحرب الأهلية قد استحالت في العشرين شهراً التي قضاها بعيداً عنها إلى ثورة اجتماعية، وأن دلابلا Dolabella زوج ابنة شيشرون انضم بقوته إلى كئيليوس وعرض على الجمعية مشروع قانون بإلغاء جميع الديون، وأن أنطونيوس أطلق جنوده على صعاليك دلابلا المسلحين، وأن ثمانمائة من الرومان قتلوا في السوق العامة. وكان كئيليوس قد استخدم سلطته وهو بريتور Praetor فأعاد ميلو إلى روما ، ونظما معاً جيشاً في جنوبي إيطاليا، وطلبا إلى الأرقاء أن ينضموا إليهما في ثورة جائحة على النظام القائم. ولم يلقيا في هذه الثورة إلا قليلاً من النجاح، ولكن روح الثورة كانت قد أشربت بها جميع النفوس، فكان المتطرفون في روما يحتفلون بذكرى كاتلين وينثرون الأزهار مرة أخرى على قبره.
قيصر الحاكم

عاد قيصر إلى روما في خريف عام 46 ق.م بعد أن نصب سلست والياً على نوميديا، وأعاد تنظيم ولايات أفريقيا. وأوجس مجلس الشيوخ خيفة من هذه العودة، وأدرك أن البلاد مقبلة على الحكم الملكي المطلق، فاختاره حاكماً بأمره مدة عشر سنوات. واحتفلت رومه بعودته احتفالاً لم تشهد له مثيلاً من قبل، وكافا قيصر كل جندي من جنوده بخمسة آلاف درخمة أتيكية (حوالي ثلاثة آلاف ريال أمريكي)، أي أكثر كثيراً مما كان قد وعدهم به، وأولم وليمة كبرى للمواطنين الرومان احتوت على اثنين وعشرين ألف مائدة. وأعد لتسليتهم معركة بحرية صورية، اشترك فيها عشرة آلاف رجل. ثم غادر روما إلى أسبانيا في أوائل عام 45 ق.م وهزم آخر جيش من جيوش بمبي عند مندا Munda. ولما عاد إلى رومه في شهر أكتوبر وجد إيطاليا كلها تسودها الفوضى. ذلك أن الحكم الألجركي الفاسد، والثورات التي دامت مائة عام كاملة، قد أشاعا الاضطراب والفوضى في الأعمال الزراعية والصناعية والمالية والتجارية. أضف إلى هذا أن استنزاف موارد الولايات، وحبس رؤوس الأموال، وزعزعة أركان الاستثمار، أدت كلها إلى اضطراب سوق المال. هذا إلى أن آلاف الضياع قد حل بها الخراب، لأم مائة ألف من الرجال سيقوا من الأعمال المنتجة إلى ميادين القتال، وأن آلافاً مؤلفة من الزراع أرغمتهم منافسة الحبوب المستوردة من خارج البلاد أو التي تنتجها الضياع الكبرى التي يعمل فيها العبيد على الانضمام إلى صعاليك المدن والاستماع وبطونهم خاوية إلى الوعود التي يمنيهم بها الزعماء المهرجون. وأخذ من أبقت عليهم رحمة قيصر من الأشراف يأتمرون به في قصورهم ونواديهم، ولما أن طلب إليهم في مجلس الشيوخ أن يعترفوا بضرورة الدكتاتورية ويعانوه على أن يعيد النظام إلى البلاد ويأسو جراحها، سخروا مما يعرضه عليهم هذا المغتصب وبسطوا ألسنتهم في استضافته لكيلوبطرة في رومه، وأخذوا يشيعون سراً أنه يعيد العدة ليكون ملكاً، ولينقل عاصمة الدولة إلى الإسكندرية أو إلى إليوم llium. ومن أجل ذلك شرع قيصر،
وقد أدركته الشيخوخة ولما يتجاوز بعد الخامسة والخمسين من عمره، ويعمل بهمة الرومان الأصيل ليحيي موات الدولة الرومانية. وكان يعلم أن انتصاراته لن تكون لها قيمة إن لم يكن في مقدوره أن يشيد في مكان الحطام التي أزلها صرحاً أحسن منها وأثبت دعامة. ولما أن مد أجل دكتاتوريته في عام 44 من عشر سنين إلى دكتاتورية تدوم مدى الحياة لم ير فرقاً كبيراً بين الحالين، وإن لم يكن قد أدرك في ذلك الوقت أن أجله لن يطول أكثر من خمسة شهور. وأخذ مجلس الشيوخ يتملقه وحباه بكل ما يستطيع من ألقاب التعظيم، ولعله كان يهدف بذلك إلى أن يشيع كراهيته في قلوب الشعب الذي كان يبغض الملكية ولا يطيق حتى اسم الملك. وأجاز له المجلس أن يلبس إكليل الغار الذي كان يوارى به صلعته، وأن يحمل حتى في وقت السلم رمز سلطات الإمبراطور imperator. وبفضل هذه السلطات كان يسيطر على خزائن المال، كما كان منصب الحبر الأكبر Pontifex Maximus يمكن من السيطرة على الشؤون الدينية في البلاد، وكان له، بوصفه قنصلاً، أن يقترح القوانين وينفذها، وبوصفه تربيوناً كانت ذاته مصونة لا تمس، وبوصفه رقيباً كان له أن يعيّن أعضاء مجلس الشيوخ ويسقطهم. واحتفظت الجمعيات بحقها في الاقتراع على القوانين المعروضة عليها، ولكن دلابلا وأنطونيوس رجلي قيصر كانا يسيطران عليها، وكانت توافق عادة على سياسته. وكان هو من ناحيته يجتهد في أن يقيم دكتاتورية على محبة الشعب له ورضائهم عنه شأنه في هذا شأن غيره من الطغاة الحاكمين. وأنزل مجل الشيوخ حتى صار أشبه شيء بمجلس استشاري له،
ورفع عدد أعضائه من ستمائة عضو إلى تسعمائة، وكان يجدده على الدوام باستبدال أربعمائة عضو جديد بمثل عددهم من أعضائه السابقين. وكان كثيرون من هؤلاء الأعضاء الجدد من رجال العمال، وكثيرون منهم من المواطنين البارزين في المدن الإيطالية أو مدن الولايات الرومانية، ومنهم من كانوا من أعضاء المئين أو الجنود أو أبناء العبيد. وارتاع الأشراف حين رأوا زعماء غالة المغلوبة يدخلون مجلس الشيوخ وينضمون إلى حكام الإمبراطورية، بل عن الماجنين من أهل العاصمة قد ساءهم هذا التصرف ونشروا في طول المدينة وعرضها مقطوعة شعرية يقولون فيها "إن قيصر يقود الغاليين في موكب نصره، ثم يدخلهم مجلس الشيوخ؛ لقد خلع الغاليون سراويلهم القصيرة ولبسوا المئزر العريض الأطراف" الذي يلبسه الشيوخ.
ولعل قيصر قد تعمد أن يجعل المجلس الجديد هيئة ضخمة عاجزة عن المداولة الجدية المنتجة أو المقاومة الموحدة. ولذلك اختار طائفة من أصدقائه هم بلبس balbus، وأبيوس Oppius، وماتيوس Matius وغيرهم، ليتخذ منهم وزراء له غير رسميين ينفذون سياسته؛ وأدخل النظام البيروقراطي في الدولة بأن وضع الشؤون الكتابية في دولاب الحكومة ودقائق الأعمال الإدارية في أيدي من كان في بيته من المحررين والرقيق. وسمح للجمعية أن تختار نصف كبار الحكام في المدينة، واختار هو النصف الباقي بطريق التوصية، وكانت الجمعية تأخذ بهذه التوصيات على الدوام. وكان من حقه، بوصفه تربيوناً، أن يعترض على قرارات غيره من التربيونين والقناصل ويبطلها، ورفع عدد البريتورين Praetors إلى ستة عشر، والكوسترين Quaestor إلى أربعين لينجز بذلك أعمال البلدية والأعمال القضائية، وراقب بنفسه شؤون المدينة كلها على اختلاف أنواعها، وقضى عل كل ما كان فيها من عجز وفساد وإتلاف، ونص في جميع العهود التي منحها للمدينة على الأوامر الصريحة والعقوبات الشديدة التي يتعرض لها كل من يحاول إفساد الانتخابات أو الوظائف العامة. وأراد أن يقضي على السنة القديمة سنة السيطرة على الشؤون السياسية بابتياع أصوات الناخبين جملة. ولعله أراد أيضاً أن يحصن نفسه من ثورة الرعاع. فألغى الاتحادات والنقابات ولم يبق منها إلا ما كان ذا أصل قديم، وإلا الجماعات اليهودية ذات الأغراض الدينية الخالصة. وقصر وظائف المحلفين على الطبقتين العليين واحتفظ لنفسه بحق النظر في أهم القضايا وأخطرها شأناً، وكثيراً ما كان يجلس للقضاء بنفسه. وليس ثمة من ينكر ما تتصف به أحكامه من حكمة ونزاهة. وقد اقترح على المشترعين في أيام أن يجمعوا القوانين الرومانية المعمول بها وقتئذ في كتاب واحد منظم، ولكن موته العاجل حال دون إتمام هذا المشروع. ثم سار على خطة ابني جراكس، فوزع الأرض على جنوده القدامى وعلى الفقراء، وسار أغسطس نفسه على هذه السياسة، فهدأت الاضطرابات بين الزراع كثيراً من السنين. وأراد أن يمنع عودة الملكية الزراعية إلى التركز فحرم بيع الراضي الجديدة قبل مضي عشرين عاماً، كما أمر أن يكون ثلث العمال في المزارع من الأحرار،
وذلك لكي يحول دون استغلال الأراضي كلها على أيدي الأرقاء. وكان من قبل قد أنقص عدد الرعاع المتعطلين في المدينة بمن جنده منهم في الجيش، وبإقطاعهم الأرض الزراعية بعد تسريحهم. ثم أنقص عددهم مرة أخرى بأن أرسل ثمانين ألفاً من المواطنين ليستعمروا قرطاجنة وكورنثة وأشبيلية وأرليس وغيرهما من المراكز. ولم يكتف بهذا بل أراد أن يضمن العمل للباقين من المتعطلين فوضع برنامجاً ضخماً للبناء رصد له 160.000.000 سسترس. من ذلك أنه أمر بإنشاء بناء جديد في ميدان المريخ لاجتماع الجمعيات، وإضافة مبنى جديد للسوق العامة يدعى سوق أبوليوم لتخفيف الزحام عن السوق القديمة. ثم جمل كثيراً من المدن في إيطاليا وأسبانيا وغالة وبلاد اليونان. وبعد أن خفف أعباء الفقر بهذه الوسائل أراد أن يعرف أثرها في الناس، فطلب إلى من شاء الفقراء أن يتقدم إلى الدولة بالحصول على إعانات من الحبوب، فوجد أن عدد الطالبين قد نقص على الفور من 32.000 إلى 150.000. وقد ظل حتى ذلك الوقت نصيراً للعامة، يهدف إلى إسعادهم في جميع ما وضعه من المشروعات. ولكنه كان يعلم أن الثورة الرومانية ثروة زراعية أكثر منها صناعية، وأنها موجهة في الغالب إلى طبقة الأشراف التي تسخر لخدمتها الأرقاء، ثم إلى المرابين، وأنها لم يوجه إلا القليل منها لرجال الأعمال. فواصل خطة ابني جراكس الزراعية، ودعا رجال الأعمال إلى تأييد الثورة الزراعية والمالية. وكان شيشرون قد حاول أن يعقد حلفاً بين الطبقات الوسطى والأشراف، أما قيصر فحاول أن يؤلف بين أولئك وبين العامة، وأمده بالمال كثيرون من الممولين على اختلاف درجاتهم من كراسس إلى بلبس، كما أمد الكثيرون من أمثالهم بالمال للثورتين الأمريكية والفرنسية. ولكن قيصر رغم هذه المعونة قضى على مصدر من أكبر مصادر الاستغلال المالي والربح غير المشرع- وهو جباية الضرائب في الولايات على أيدي جماعات الملتزمين. ثم خفض الديون بدرجات متفاوتة، وسن قوانين صارمة لتحريم الربا الفاحش. وأسعف العاجزين عجزاً شديداً عن الوفاء بديونهم بوضع قانون للإفلاس لا يختلف في جوهره عن القانون المعمول به في هذه الأيام. وأعاد إلى العملة استقرارها بجعل الذهب أساساً لها، وبصك قطعة ذهبية تدعى أوريوس Aureus كانت تساوي في قوتها الشرائية الجنيه الإسترليني في القرن التاسع عشر، وكانت صورته تطبع على النقود الحكومية وتزيين برسوم لم تعرفها رومه من قبل. وقد نظمت الإدارة المشرفة على مالية الدولة تنظيماً جديداً، وطمعت بكفايات جديدة كانت نتيجتها أن وجد في خزائنها حين قتل قيصر 700.000.000 سسترس، وفي خزينته الخاصة 100.000.000. وأراد أن يقيم نظام الضرائب والإرادة على أساس علمي سليم، فأجري إحصاء عاماً في إيطاليا وأعد العدة لإحصاء عام مثله في سائر أنحاء الإمبراطورية، ثم أراد أن يعوض النقص الكبير الذي أحدثته الحروب في عدد المواطنين الرومان، فتوسع إلى أقصى حد في منح حق المواطنية الرومانية- وكان ممن شملهم هذا الحق الأطباق والمعلمون في رومه. وكان النقص المطرد في المواليد قد أقض من قبل مضجعه، فقرر في عام 59 ق.م أن تكون الأولوية في امتلاك الأراضي التي توزعها الحكومة لآباء الثلاثة الأبناء. والآن قرر منح مكافآت للأسر الكبيرة، وحرم على من ليست لهن أبناء من النساء أن يركبن المحفات أو يتحلين بالجواهر- وكان هذا التشريع أضعف تشريعاته كلها وأقلها نفعاً. وظل قيصر كما كان رجلاً لا أدريا وإن لم يكن عقله بعيداً كل البعد عن الخرافات(53). ولكنه بقي الرئيس الأعلى لدين الدولة ولم يبخل على هذا الدين بما يحتاجه من الأموال، فأعاد بناء الهياكل القديمة وأنشأ هياكل أخرى جديدة. وكانت فينوس أمه الحنون تلقى منه أعظم ضروب التكريم، لكنه مع هذا كان يطلق للناس كامل الحرية في الفكر والعبادة، وألغى ما كان قد صدر من الأوامر بتحريم عبادة إيزيس، ومنع التعرض لليهود في ممارسة شعائر دينهم. ولما رأى أن تقويم الكهنة لم يعد يتفق مطلقاً مع فصول السنة أمر سوسجينس Sosigenes العالم اليوناني الإسكندري السنة من ذلك الحين تشتمل على 365 يوماً، يضاف إليها يوم في آخر شهر فبراير كل أربع سنين. وأخذ شيشرون يشكو من هذا التغيير ويقول إن قيصر لم يقنع بحكم الأرض فتطاول إن تنظيم النجوم والتحكم في شؤونها، ولكن مجلس الشيوخ قبل هذا الإصلاح أحسن قبول، وأطلق اسم يوليوس وهو اسم أسرة قيصر على شهر كونكتيلس Quinctilis (الشهر الخامس) وكان هذا الشهر هو الشهر الخامس حين كان شهر مارس بداية العام. ولك تكن الأعمال التي شرع فيها قيصر أو فكر فيها ووقفت بسبب قتله أقل شأناً من الأعمال التي تمت فعلاً. ومن هذه الأعمال الأولى أنه وضع أساس ملهى عظيم، ومعبد للمريخ يتفق وما عرف عن هذا الإله من شره ونهم، وعين فارو على رأس هيئة تعمل لإنشاء دور كتب عامة. وعمل على إنقاذ رومه من وطأة الملاريا بتجفيف بحيرة فوسينس Fucinus ومنافع بنتين Pontine، واستصلاح الأراضي المجففة وزرعها. وأشار ببناء جسور حول التيبر ليمنع طغيان مياهه على الأراضي المجاورة له، واقترح تحويل مجرى هذا النهر لإصلاح ميناء أستيا Ostia الذي كان غرين النهر يسده من آن إلى آن. وأمر مهندسيه بأن يعدوا مشروعاً يرمي إلى إنشاء طريق يخترق وسط إيطاليا من الشرق إلى الغرب والى حفر قناة في برزح كورنثة Corinth. وكان أشد ما أغضب أهل رومه من أعماله أن منح أحرار الإيطاليين كلهم ما لأهل رومه نفسها من حقوق، وأهن سوي بين الولايات وبين إيطاليا. ذلك أنه منح حق الانتخاب لأهل غالة الجنوبية في عام 49، ثم وضع في عام 44 ميثاقاً يدل ظاهرة على أنه لجميع مدن إيطاليا وانه يسوي بين هذه المدن وبين روما ، ولكن أكبر الظن أنه كان يفكر في إقامة حكومة نيابية من نوع ما تجعل لهذه المدن نصيباً ديمقراطياً في حكومته الملكية. ثم انتزع حق تعيين الولاة من مجلس الشيوخ المرتشي الفاسد، ورشح هو لهذه المناصب رجالاً عرفوا بالمقدرة والكفاية،
وجعلهم في كل آن عرضة للعزل بأمر منه وحده، وخفض الضرائب في الولايات إلى ثلثي ما كانت عليه، وعهد جبايتها إلى موظفين مسؤولين أمامه. ولم يأبه باللعنات القديمة التي كانت تصب على من يعيد بناء كبوا وقرطاجنة وكورونثة؛ وأتم في هذه الناحية أيضاً ما شرع فيه ولدا جراكس، وأعطى حقوق الرومان أو اللاتين للمستعمرين الذين أرسلهم لإنشاء عشرات المدن الممتدة من جبل طارق إلى البحر السود، أو لتعمير ما كان قائماً منها من قبل. ولا جدال في أنه كان يريد أن يمنح حق المواطنية الرومانية لجميع الذكور الراشدين في الإمبراطورية كلها، وبذلك لا يكون مجلس الشيوخ ممثلاً لطبقة واحدة في رومه بل يكون ممثلاً لعقلية الولايات جميعها وإرادتها. وهذه الفكرة التي سيطرت على عقل قيصر فيما يجب أن يكون عليه نظام الحكم، مضافة إلى تنظيمه الجديد لرومه وإيطاليا، تكمل في رأينا تلك المعجزة المنقطعة النظير- المعجزة التي جعلت من الشاب المتلاف العربيد رجلاً من أقدر رجال السياسة المشؤومة في جميع العصور وأعظمهم شجاعة وعدلاً واستنارة. وكان قيصر كالإسكندر لا يعرف أين تقف جهوده وإصلاحاته؛ فلما أن رسم في ذهنه صورة لدولته في نظامها الجديد ساءه أن يجدها معرضة للغزو عند أنهار الفرات والدنواب والرين، فأخذ يفكر في إرسال حملة عظيمة لإخضاع بارثيا والأخذ بثأر كراسس الذي أمده بالمال في أزماته، وفي الزحف حول البحر الأسود لتهدئة سكوذيا Scythia، وفي ارتياد نهر الدانوب وفتح ألمانيا. حتى إذا ما أمن الإمبراطورية على هذا النحو عاد إلى رومه مثقلاً بالمجد والمغانم، ومعه من المال ما يستطيع به أن يقضي على الكساد الاقتصادي في البلاد، وله من القوة والجاه ما يستطيع به أن يغض الطرف عن كل معارضة؛ ومن الحرية ما يمكنا من أن يعين من يخلفه، وأن يموت بعد أن يورث العالم "السلم الرومانية" Pax Romana، وهي أعظم تراث يستطيع أن يورثه إياه.
قيصر الإنسان

كان غيوس يوليوس قيصر أحد أفراد أسرة من الأشراف الرومان برزت مؤخراَ منذ عهد طويل اكتنفه الغموض, وكانت تتجلى فيه معالم و مواهب ومقدرات الشخصية الأرستقراطية الرومانية, فكلمة "شرف" غالباَ ما كانت على شفتيه, والشرف تطلب منه أن يكون مخلصاَ وفياَ إلى أبعد حدود الاخلاص و الوفاء إلى أصدقائه ومعاصريه و مؤيديه حتى إلى أولئك الأوضع مقاماَ ممن يؤدون له خدمة, كان قيصر يقول أنه حتى لو تساعده عصابة من قطاع الطرق وسفاكي الدماء في الدفاع عن شرفه فإنه سيكافئها بنفس الطريقة التي يكافئ فيها أناساَ آخرين. كانت لقيصر العديد من المواهب منها الكتابة و التأليف و كانت له العديد من الكتب المشهورة آن ذاك في روما. لم يكن قيصر وحشياَ بالفطرة إنما على العكس من ذلك تماماَ, كانت رأفته تجاه أبناء البلاد التي كان يفتحها معروفة ذائعة الصيت وحتى في حروبه الخارجية لم يكن قيصر وحشياَ بقصد الوحش, لكن كان عليه أن يوفر الغنائم لقواته وكان يجب امدادها بما تحتاجه من مؤن وطعام. لذا كان بحكم الضرورة قيامه بنهب وسلب المدن وبيع السكان كعبيد.
بروتس وقتل يوليوس قيصر

الظروف في روما

بعد الإنتصارات التي حققها يوليوس قيصر في خارج روما ونجاحه في إخماد الحرب الأهلية هناك وتمام سيطرته على الفتن ، قرر العودة إلى روما ، وقد علم الأشراف بذلك فرأوا الفناء يحل بهم عند عودة قيصر ، ولذلك عقدوا النية على قتله قبل أن يغادر البلاد. وكان قيصر قد عامل هؤلاء الأشراف معاملة كريمة أطلقت لسان شيشرون بالثناء عليه. وكان قد عفا عن كل من استسلم له من أعدائه ، ولم يحكم بالإعدام إلا على عدد قليل من الضباط الذين خانوا عهده فحاربوه بعد أن هزمهم وعفا عنهم. وكان قد أحرق كل الرسائل التي عثر عليها في خيمة بومبي و سبيو من غير أن يقرأها، وأرسل ابنة بومبي وأحفاده الأسرى إلى سكتس ابن بومبي ، وكان لا يزال في حرب معه، وأصلح تمثال بومبي وأقامه في موضعه بعد أن طرحه أتباعه على الأرض ؛ وعين بروتس و كاسيوس و اليين على اثنتين من الولايات، كما عين غيرهما من الأشراف في بعض المناصب العليا ، وصبر على كثير من الأذى والمثالب دون أن يشكو أو يتذمر ، ولم يتخذ شيئاً من الإجراءات ضد من كان يظن أنهم يأتمرون به ليقتلوه.
أما شيشرون الذي طالما لبس لكل حالة لبوسها ، وأدار شراعه لكل ريح ، فإن قيصر لم يكتف بالعفو عنه بل كرمه ولم يبخل عليه بشيء مما طلبه الخطيب العظيم لنفسه أو لأصدقائه البمبيين، بل نه انصاع لإلحاف شيشرون ، فعفا عن ماركس مرسلس وهو الرجل الذي خرج على قيصر ولم يندم على فعله. وقد امتدح شيشرون في خطبة له رنانة عنوانها "إلى مرسلس" " كرم قيصر الذي لا يصدقه العقل"، وقال عن بومبي إنه لو انتصر لكان أشد منه انتقاماً من أعدائه.
ثم أضاف إلى ذلك قوله: "لقد سمعت مع الأسف الشديد عباراتك الفلسفية المشهورة lam satis vivi لقد نلت كفايتي من طول الحياة ومن الشهرة... ورجائي إليك أن تطرح حكمة الحكماء.. ولا تكن حكيماً إذا عرضتك الحكمة للأخطار.. إنك لا تزال بعيداً كل البعد عن إنجاز أعمالك العظيمة، بل إنك لم تضع بعد أسسها" ثم وعد قيصر وعداً صادقاً بإسم مجلس الشيوخ كله بأنهم سيسهرون على سلامته ويصدون بأجسامهم كل اعتداء عليه.
وأثرى شيشرون في ذلك الوقت ثراء جعله يفكر في شراء قصر آخر هذا القصر غير قصر صلا نفسه. وكان يستمتع بالمآدب التي يدعوه إليها أنطونيوس ويلبس وغيرهما من أعوان قيصر ، ولم تكن رسائله في أي وقت مضى أكثر بهجة مما كانت في ذلك الوقت. غير أن قيصر لم ينخدع بهذا كله ، فقد كتب إلى ماريوس يقول: "إذا كان في الناس من هو ظريف فذاك شيشرون ولكنه يبغضني أشد البغض". وكان قيصر صادقاً في قوله، فلما أن عاد البمبيون إلى مناوأة قيصر بعد أن أمنوا جانبه ارتمى هذا الأديب التلراني في أحضانهم وكتب يثني على كاتو الأصغر ثناء ما كان أجدره بأن ينبه قيصر إلى ما يحيط به من الأخطار. غير أن قيصر لم يفعل أكثر من أن يرد على شيشرون بكتابة ضد كاتو Anti- Cato لا تدل على حصافة عقله. ذلك أنه بعمله هذا أمكن خصمه من أن يختار السلاح الذي ينازله به ، وكانت نتيجة هذا أن انتصر الخطيب عليه، وأثنى الرأي العام على أسلوب شيشرون كما أثنى على الحاكم الذي اختار أن يكتب رسالة وهو قادر على أن يوقع أمراً بالإعدام. وبعد فإن الذين حرموا ما كان لهم من سلطان لا يمكن أن تستل سخائمهم بالعفو عن مقاومتهم لمن حرمهم هذا السلطان، وليس عفوك عمن عنك بأقل صعوبة عمن آذيته.
ومصداق هذا أن الأشراف في مجلس الشيوخ الذي لم يكن يجرؤ على رفض المقترحات التي عرضها عليه قيصر حسب الأصول الدستورية أخذوا يتبرمون وينددون تنديد الوطنيين الصادقين بالقضاء على الحرية التي أتخمت بالمال خزائنهم، وعز عليهم أن يقروا بأن عودة النظام تتطلب التضحية ببعض حريتهم. وقد روعهم وجود كليوباترا وقيصريون في روما.
نعم إن قيصر كان يعيش مع زوجته كلبيرنيا وإنهما كانا يتبادلان المحبة في الظاهر، ولكن من ذا الذي يعرف- ومن ذا الذي تطاوعه نفسه على ألا يذيع- ما كان يحدث في أثناء زياراته الكثيرة للملكة العظيمة الجميلة؟ وأكدت الشائعات أنه يريد أن ينصب نفسه ملكاً، وأن يتزوج كليوباترا ، وأن ينقل عاصمة دولتهما المتحدة إلى بلاد الشرق. ألم يأمر بأن يقام له تمثال على الكبتول بجوار تماثيل ملوك رومه الأقدمين؟- ألم تطبع صورته على النقود الرومانية؟ وهي وقاحة لم يسبق لها نظير. ألم يلبس جلابيب أرجوانية من اللون الذي كان يحتفظ به عادة للملوك؟ لقد حاءه القنصل أنطونيوس يوم عيد لبركاليا في الخامس عشر من فبراير عام 44 عاري الجسد إلا من جلود الماعز التي كان يلبسها الكهنة في ذلك العيد ثملاً من كثرة ما احتسى من الخمر ، وحاول ثلاث مرات أن يضع التاج الملكي على رأس قيصر؛ ورفضه قيصر في المرات الثلاث. ولكن ألم يكن سبب هذا الرفض أن الجماهير قد أبدت غضبها من هذا العمل وإن أبدته همساً؟ ألم يقص التربيونين عن منصبيها لأنهما رفعا عن تمثاله الإكليل الملكي الذي وضعه عليه أصدقاؤه ولما أقبل عليه الشيوخ وهو جالس في هيكل فينوس لم يقم واقفاً لاستقبالهم. وقال بعضهم إنه قد أقعدته وقتئذ نوبة صرع، وقال غيرهم إنه كان يشكو إسهالاً شديداً، وإنه ظل جالساً حتى لا تتحرك أمعاؤه في هذه اللحظة غير المواتية ، ولكن كثيرين من الأشراف كانوا يخشون أن ينادي به ملكاً في أي يوم.
تدبير الخطة

أقبل كيوس كاسيوس ، وهو رجل مريض الجسم- "أصفر نحيل" كما يصفه أفلوطرخس ، على ماركس بروتس واقترح عليه اغتيال قيصر. وكان قبل ذلك قد عرض خطته على جماعة من الشيوخ وعلى بعض الممولين الذين قل ما ينهبونه من الولايات مذ وضع قيصر القيود الشديدة على الملتزمين ، بل عرضها أيضاً على بعض القواد في جيش قيصر الذين أحسوا بأم ما حباهم به من المناصب والغنائم كان أقل مما يستحقون، وكان هؤلاء كلهم قد وافقوا عليها.
وكان المتآمرين في حاجة إلى بروتس ليكون هو رافع لواء المؤامرة، لأنه اشتهر بين الناس كافة بأنه أعظم الناس استمساكاً بالفضيلة ، وكان الناس يقولون إنه من سلالة بروتس الذي طرد الملوك قبل ذلك الوقت بأربعمائة وستة وأربعين عاماً. وكانت أمه سرفليا أختاً غير شقيقة لكاتو ، وزوجته بورشيا ابنة كاتو وأرملة ببيولس عدو قيصر ؛ ويقول أبيان "إن الناس كانوا يظنون أن بروتس نفسه ابن قيصر لأن قيصر كان عشيق سرفليا في الوقت الذي ولد فيه بروتس". ويضيف أفلوطرخس إلى ذلك أن قيصر كان يعتقد أن بروتس ولده.
ولا يبعد أن يكون بروتس نفسه ممن يعتقدون هذا الاعتقاد، وأنه كان يحقد على قيصر لأنه أفسد أخلاق أمه وجعله مضغة في أفواه الرومان ، يقولون عنه إنه ابن زانية بدل أن يكون من نسل آل بروتس. وكان هو على الدوام مكتئباً يميل إلى الصمت كأن ظلماً حل به يجثم على صدره ويشغل باله ، وذلك في الوقت الذي كان فيه فخوراً معجباً بنفسه ، لأنه أياً كان مولده يجري في عروقه دم الأشراف. وكان يجيد اللغة اليونانية ويجب الفلسفة ، وكان في علم ما وراء الطبيعة من القائلين برأي أفلاطون ، وفي الأخلاق من أتباع زينون. وكان مما انطبع في ذهنه أن الرواقية تتفق مع المبادئ اليونانية والرومانية في الحث على قتل الطغاة الظالمين. وقد كتب في هذا إلى صديق له يقول: "إن آباءنا كانوا يعتقدون أنه لا ينبغي لنا أن نخضع للمستبد ولو كان هذا المستبد أبانا نفسه". وقد ألف رسالة في الفضيلة وخلط الناس في المستقبل بينه وبين هذا الوصف ، وإن كان بعيداً عنه. فقد أقرض أهل سلاميس Salamis في قبرص عن طريق بعض الوسطاء أموالاً بسعر ثمانية وأربعين في المائة، ولما تذمروا من أداء ما تراكم عليهم من الفوائد ألح على شيشرون، وكان وقتئذ قنصلاً في قليقية، أن يستعين بالجيوش الرومانية على جمع المال. وقد حكم غالة الجنوبية حكماً صالحاً يمتاز بحسن الإدارة والكفاية، ولما عاد إلى رومه عينه قيصر بريتوراً Praetor على الحواضر. وقد ثار كل عنصر طيب فيه على مقترحات قيصر، وأخذ كاسيوس يذكره بآبائه على الظلم، ولعل بروتس قد شعر بأنه يتحداه بأن يثبت أنه من نسلهم وبأن يحذو حذوهم. وكان هذا الشاب الحسّاس يحمرّ وجهه خجلاً حين يرى تمثال بروتس الأكبر أمثال هذه العبارة:
أي بروتس! هل مت؟ وإلا فإن آباءك براء منك
وقد أهدى إليه شيشرون عدة من رسائله كتبها في تلك السنين، وسرت في ذلك الوقت بين الأشراف شائعة فحواها أن لوسيوس كتا Lucius Cotta سيعرض على مجلس الشيوخ في اجتماعه المقبل الذي سيكون في الخامس من شهر مارس اقتراحاً بتنصيب قيصر ملكاً، لأن عرّافة سيبيل قالت إن البارثيين لن يهزموا إلا على يد مل. وقال كاسيوس إن المجلس ، وقد أصبح نصف أعضائه ممن عينهم قيصر، سوف يوافق على هذا الاقتراح، وإنه لن يبقى بعد ذلك أمل في عودة الحكم الجمهوري. وتأثر بروتس بهذا كله، واستسلم، واخذ المتآمرون بعد ذلك يحكمون أمرهم ويضعون خططهم. واستخلصت بورشيا السر من زوجها، بأن طعنت نفسها بخنجر في فخذها لتبرهن بذلك على أنه ما من أذى يصيبها في جسمها يحملها على أن تنطق بشيء رغم إرادتها.وأصر بروتس في لحظة غير مواتية له على ألا يمس أنطونيوس بأذى.
قتل يوليوس قيصر

وحدث في مساء اليوم الرابع عشر من شهر مارس أن عرض قيصر على من كانوا مجتمعين في منزله أن يكون موضوع حديثهم "ما هي خير طريقة للموت؟" وأجاب هو عن ذلك السؤال بقوله: "إنها الميتة المفاجئة". وتوسلت إليه زوجه في صباح اليوم الثاني ألا يذهب إلى مجلس الشيوخ ، وقالت إنها رأته في نومها ملطخاً بالدماء ؛ وحاول خادم آخر، كان يرى مثل رأيها، أن يفتعل نذيراً بمنع قيصر من الذهاب ، فتسبب في سقوط صورة لأحد أسلافه معلقة على جدار ، ولكن دسمس بروتس Decimus Brutus، وهو صديق حميم لقيصر وأحد المتآمرين ، ألح عليه أن يحضر الاجتماع وإن لم يفعل فيه أكثر من أن يطلب بنفسه في رقة ومجاملة تأجيل الجلسة إلى وقت آخر.
وأقبل صديق لقيصر عرف نبأ المؤامرة ليحذره فوجده قد غادر داره في طريقه إلى المجلس. وقابل في طريقه عرافاً كان قد أسر إليه من قبل أن "يحذر اليوم الخامس عشر من شهر مارس" وقال له قيصر وهو يبتسم، إن الخامس عشر من مارس قد جاء ولم يصب فيه بسوء، فأجابه اسبورنا Sburinna "نعم ولكنه لم يمض بعد". وبينا كان قيصر يقرب القربان الذي كان من المألوف تقريبه قبل الجلسة أمام ملهى بومبي حيث يعقد المجلس اجتماعه إذ وضع أحدهم في يده لوحة صغيرة يحذره فيها من لمؤامرة ولكنه لم يعبأ بها. وتقول الرواية المأثورة إن هذه اللوحة وجدت في يده بعد مقتله .
وشغل تربونيوس Trebonius- وهو أحذ المتآمرين ، وكان من قبل أحد قواد قيصر المقربين- أنطونيوس بالحديث فعطله عن حضور الاجتماع. ولما دخل قيصر الملهى واتخذ فيه مجلسه هجم "دعاة الحرية" من فورهم عليه. ويقول سيوتونيوس: "لقد كتب بعضهم يقولون إنه حين هجم عليه ماركس بروتس قال باللغة اليونانية Kai su teknon- "وأنت أيضاً يا ولدي". ويقول أبيان إن قيصر حين طعنه بروتس امتنع عن كل مقاومة، وغطى وجهه ورأسه بثوبه، واستسلم للضربات، وسقط عند قدمي تمثال بومبي . وهكذا تحققت رغبة واحدة من رغبات أكمل إنسان أنجبته الأيام الخالية.


عائلة قيصر

علاقات

  • علاقة مع ملكة مصر كليوبترا.
  • علاقات متعددة مع معظم نساء أعضاء مجلس الشيوخ و أبرزهم زوجتي كاتو.
  • علاقة مع أم بروتوس (أحد مغتالي قيصر).
زوجات
  • الزواج الأول من كورنليا سنيليلا.
  • الزواج الثاني من بومبيا سولا (ابنة بومبي).
  • الزواج الثالث من كالبورنيا بسونيس.
الأبناء
  • جوليا قيصر من زواجه الأول.
  • قيصرون او من كليوباترا الذي أصبح آخر فرعون لمصر باسم بطليموس الحادي عشر (؟).
  • أغسطس قيصر ابنه بالتبني الذي أصبح أول إمبراطور لروما.

comment 0 التعليقات:

إرسال تعليق

Delete this element to display blogger navbar